في الآونة الأخيرة برز داخل المنظومة الاجتماعية في المملكة موضوع قيادة المرأة للسيارة، وكأنها القضية التي ستمكن المرأة من حل مشكلاتها التي تعترض مسيرتها في كافة مناحي الحياة. والمتتبع لهذه القضية يدرك تمام الإدراك أن المسألة ليست قرارًا سياسيًا فحسب؛ لأن اتخاذ مثل هذا القرار لن يكون في منأى من دعم المؤسسات المختلفة في المملكة لا سيما المؤسسة الدينية, إضافة إلى أن هناك أمورًا يجب الخوض فيها قبل الشروع في المطالبة بمثل ذلك الأمر وأهمها دراسة الموضوع دراسة وافية وشاملة لتشخيص المشكلة على واقع المملكة من أجل فهم ماذا يجب على المجتمع بكل أطيافه ومكوناته، حتى يتسنى فهم المطلوب وما هي النتائج والآثار المترتبة على مثل ذلك القرار؛ لأن الإجابة على السؤال لا تكفي قبل معرفة الآثار المترتبة على الإجابات. ومن هذا المنطلق يود الكاتب إلقاء الضوء على بعض الجوانب التي يجب معرفتها قبل الشروع في اتخاذ أو تطبيق مثل ذلك ومنها ما يلي:
1- ضرورة فهم البنية النفسية للمجتمع في المملكة من هذه القضية خصوصاً الشباب والفتيات من أجل وضع التصور الذي يلامس البنية النفسية, التي تسهم في التقليل من انعكاسات آثار هذه المسألة على سلوكهم وذلك من خلال وضع البرامج المناسبة لبناء البنية النفسية المجتمعية تجاه مثل هذه القضية بطريقة حضارية.
2- ضرورة فهم عمق الخصومة الثقافية في فكر بعض من أبناء المجتمع تجاه قيادة المرأة, ولهذا فإن بناء ثقافة المجتمع تجاه هذه القضية أمر ضروري لا محالة عنه من أجل تهيئة المناخ العام لهذا المشروع قبل تطبيقه.
3- ضرورة إقناع المجتمع بأن الاستعداد لمثل هذا الموضوع مطلب (ديني وحضاري وسياسي واجتماعي واقتصادي وثقافي الخ..) حتى لا يدفع المجتمع ثمن قيادة المرأة أضعافاً مضاعفة, نظراً لأن المملكة أصبحت بفعل العولمة جزءًا لا يتجزأ من النظام الدولي, ولهذا علينا أن ندرك هذه المسألة بعقول واعية قبل فوات الأوان, لأن ترك النقاش في مثل هذا الموضوع وعدم الاستعداد له ستكون أثمانه وخيمة على المجتمع بكل أطيافه ومكوناته.
4- المنادون والمطالبون بالسماح للمرأة بقيادة السيارة يجب أن يدركوا بأن مثل هذا الأمر يحتاج إلى تشريعات تنظيمية تسبق مثل ذلك الأمر لكي تستطيع الجهات المكلفة بهذه المهمة الاستعداد لتأدية واجبها تجاه هذا الأمر قبل الشروع في التطبيق, لأن هناك ضرورة لتأهيل العاملين في الجهات التي ستقوم بهذه المهمة من حيث فهم الوسائل والأساليب التي يمكن من خلالها وضع أسس التعامل مع واقع المرأة في المملكة, فضلاً عن إعداد المرأة التي ستشارك الجهات المختصة في تطبيق القرار لحفظ النظام.
5- ضرورة فهم المشكلات التي ستواجه تطبيق القرار، ومن أبرزها المشكلات المرورية التي ستنبثق من جراء قيادة المرأة, فضلاً عن المشكلات الاقتصادية التي ستواجه رب الأسرة الذي لا يمكنه تأمين أكثر من سيارة لأفراد عائلته, ولهذا ربما يؤدي عجز الأب إلى فساد أخلاق وسلوك البعض في ظل عدم نشر ثقافة القناعة في مجتمعنا بطريقة حضارية.
6- ربما يتكون من خلال مطالبة المرأة بالاستقلالية في مسألة امتلاك السيارة انبثاق مشكلة المناداة بمسألة استقلالها عن أسرتها, ما لم يكن هناك دور لمؤسسات المجتمع المختلفة والمناط بها مهمة التربية والتعليم لغرس المفاهيم الصحيحة من خلال التنشئة المتزنة تجاه مثل هذه القضايا.
ولهذا فإن كاتب المقالة (مع) قيادة المرأة إذا تم وضع الاستعدادات اللازمة قبل الشروع في التطبيق, و(ضد) قيادتها إذا لم يتم الاستعداد لها بطريقة حضارية إستراتيجيه تشمل كافة الجوانب (النفسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والتنظيمية والمعنوية إلخ..).
a.latif.m.h@hotmail.com