بعدما انتصف شهر رمضان، جاء منكسر الخاطر متألماً، يشكو قسوة في قلبه وغلظة، جاء يبحث عن حل ومخرج لحالة الضيق والوحشة التي تكسو وجدانه ومشاعره، جاء ولسان حاله يرثي لحاله ويقول: ها هو الشهر الفضيل انتصف، وبدأت أيامه تتناقص مؤذنة بالرحيل، يقول: لم ألمس أي تغيّر في سلوكاتي، ولا في عاداتي واهتماماتي، حتى علاقاتي وأسلوب حياتي ظلّت على حالها رتيبة بائسة كئيبة كما هي قبل رمضان، جاء متطلّعاً إلى من يرشده ويدلّه إلى كيف يستثمر ما تبقّى من أيام رمضان الكريم ولياليه الفاضلة، فلعلّ فيما تبقّى من هذه الأيام والليالي، ما يساعده ويأخذ بيده إلى تغيير ينقله من حالة اليأس والبؤس، إلى حال تطمئن فيها نفسه وتسعد وتهنأ، كما حال أولئك الفضلاء الذين يلمس في وجوههم أنوار السعادة والرضا والطمأنينة التي يفتقر إليها في كل شأن من شؤون حياته.

سأله صاحبي، صف لي كيف قضيت الأيام التي انصرمت من رمضان، وبعد تنهيدة طويلة حرّى عميقة، ممزوجة برائحة كريهة بغيضة تدلّ على شراهة ومبالغة في التدخين، قال: وقد بدت عليه علامات الاستغراب والتعجب، ولماذا السؤال ؟ ردّ صاحبي لعلّ في إجابتك ما يساعد على تشخيص حالة الضيق واليأس التي تشكو منها، وبهذا يسهل وصف المخرج الأنسب والأنجع لك طالما أنك ترغب في الخروج من حالة الضيق إلى حال ينشرح فيها صدرك وتهنأ فيها نفسك.

بعد تردّد قال: حالي في رمضان كما هي في رجب وشعبان، الاختلاف الوحيد بينها أنني في النهار أحجم عن الأكل والشرب فقط، وماذا بعد ؟ هذه حال الناس في نهار رمضان، الكل يصوم عن الأكل وعن الشرب، المقصود كيف تقضي نهار رمضان ولياليه، قال: أنام بعد صلاة الفجر مباشرة حتى العصر، بعد العصر اتقضى وأطالع الصحف، وأجول بين القنوات الفضائية حتى أذان المغرب، أفطر على تمرات معدودات وكأس ماء، بعد ذلك أحضر إبريق الشاي وأشعل ثلاث « زقاير « أو أربع أصمد بها رأسي، ثم أتناول ما تيسّر مما هو معلوم من الأكلات الرمضانية، بعد ذلك أجلس وحيداً أمام التلفزيون أتابع المسلسلات وبجواري إبريق الشاي وبكت التتن، أشعل الزقارة تلو الزقارة حتى أحرق البكت كاملاً، عندئذ يؤذّن لصلاة العشاء، أصلي أحياناً في المسجد، وفي غالب الأيام في البيت، في غالب الليالي أسهر مع شلّة الأنس في إحدى الاستراحات حتى السحور، نتابع المسلسلات، نلعب البلوت، ونحرق ما نستطيع من بكتات التتن وكأننا في سباق أينا يحرق أكثر من صاحبه، زقارة تلو الزقارة، وإبريق شاي تلو الآخر، وهكذا انقضت الأيام والليالي الأربع عشرة التي سألت عنها، ولمعلوميتك هذه حالي وحال زملائي في هذا الرمضان وكل رمضان، حال مليئة بالرتابة والقتامة، تكسوها كآبة وملل.

أجاب صاحبي، لا عجب أن تشعر بالملل والكآبة والضيق وهذه حالك، ولن تحصل وأنت على هذا المنوال على أيّ تغيّر أو تبدّل في نمط حياتك، لن تشعر بلذة رمضان وبهجته، فقلبك هذا قلب أحمق، لأنه لم يع سبل الفضائل التي خصّ الله بها هذا الشهر، وهي سبل سهلة ميسّرة تهدي إلى نقاء النفس وعلوّ المنزلة، وراحة البال وسعة الصدر.

ولهذا الله يرحم حالك وحال شلة الهم التي أعمت بصائرك، واستحوذت على وقتك وعقلك ومشاعرك، وجعلتك تدور في فلكها فشغلتك عن فضائل رمضان بأوهام، وألهتك بمشاغل غبية حطّمت فيك نزعة الخير والإحساس بروحانية رمضان، وجعلتك تهدر الفرص التي تكفل ملء روحك الفارغة بالفضائل الذي تحقق لك السعادة والشعور بالرضا.

إنّ مما يقلب قلبك الأحمق إلى قلب مؤمن بالله، أن تسعى جاهداً إلى ما يحيي بذور الخير الكامنة في وجدانك، التي طمرها ران الغفلة والشهوة، اخل مع نفسك خلوة تتخيّل فيها أنك مغادر هذه الدنيا مع نهاية هذا الشهر، وستجد نفسك راغبة في الاستمتاع بعناوين الدورة الرمضانية الروحانية التي سوف تعزّز صلتك بالله وتقربك إليه، من قراءة للقرآن وتدبّر لمعانيه، وحرص على الصلوات والصدقات، والدعاء والاستغفار، والتذلّل لله بإطالة السجود الذي سوف يزيح الران عن قلب ليغدو محباً للخير مقبلاً عليه.