حسناً فعلت وزارة الشؤون البلدية والقروية حينما حثت الأمانات والإدارات المتخصصة (بحزم) على أهمية تطبيق الاشتراطات الخاصة بالخدمات البلدية المتعلقة بذوي الاحتياجات الخاصة. وكانت الوزارة قد أصدرت كتيباً مفصلاً حول الاشتراطات الخاصة المتعلقة بالخدمات البلدية الواجب توفرها لهذه الفئة من المجتمع، بهدف توفير هذه الخدمات عند إصدار فسوحات المباني الحكومية والخاصة؛ وهذا تصرف حضاري بلا شك يواكب ضرورة اهتمامنا بهذه الفئة من مجتمعنا، وتوفير الخدمات الخاصة لهم بما يتناسب مع حاجاتهم، كما هو عليه العمل في الدول المتقدمة.
غير أن الخدمات البلدية لن تفي منفردة بخدمة هذه الفئة إذا لم تكن ضمن منظومة واحدة مترابطة ومتكاملة تكون الخدمات البلدية جزءاً منها، ولا تقف عندها. ويجب أن نعترف بدءاً أن ثقافة خدمة هذه الفئات بشكل استثنائي لم نعرفها إلا حديثاً، ولم تزل في بداياتها، فلم تكن ضمن ثقافة مجتمعنا الموروثة؛ لذلك فإن توطينها كثقافة إنسانية نبيلة يجب أن تبدأ من المدرسة من أجل ترسيخها لدى النشء الجديد. كما أن لوسائل الإعلام دوراً محورياً في توطين هذه الثقافة وتوعية المواطنين بها وبضرورة احترامها.
ومن أهم ما يجب علينا أن نهتم به في خدمات فئة ذوي الاحتياجات الخاصة هو (التعليم). فقد اكتشفت التجارب العلمية الحديثة في الدول المتقدمة أن هناك كثيراً ممن يعانون مثلاً من (صعوبات في التعلم) لو وجدوا عناية خاصة، ومراكز متخصصة للكشف عن قدراتهم مبكراً منذ الصغر، لأمكن توجيههم ليكونوا ربما عباقرة في فنون أو علوم معينة؛ فقد أثبتت الأبحاث العلمية أن هناك موهوبين، أو بلغة أدق (مُختبئين)، تفقدهم أوطانهم بسبب عدم اكتشاف موهبتهم مبكراً، وتوظيف تميّزهم التوظيف الأمثل؛ وهذا ما تشير إليه المؤشرات الإحصائية في الدول المتقدمة؛ فهناك تقول الأبحاث إن ما بين 2 - 10 % من الأطفال المدرجين تحت برامج الموهوبين لديهم صعوبات في التعلم؛ وهذا - بالمناسبة - يُلغي الوهم الشائع أن الطفل الذي يُعاني من صعوبة في التعلم هو بالضرورة ليس موهوباً، بل الأقرب أن لديه (ملكة) خاصة قد تصل إلى درجة العبقرية، تجعله فيها تحديداً يتفوق على أقرانه؛ ما يجعل من الضرورة (الملحة) إيجاد مراكز متخصصة مهمتها تلمس هذه الملكات في من يواجهون صعوبات في التعلم، واكتشافها مبكراً، وتوجيههم الوجهة التي قد يُبدعون فيها.
يكفي أن تعرف أن (أديسون) مكتشف المصباح الكهربائي طٌردَ من المدرسة بسبب أنه كان يُعاني من صعوبة في التعلم، فتولّت تربيته والدته، وصقلت موهبته التي لم تكتشفها المدرسة، فأنار الدنيا. وليس لدينا حتى الآن - للأسف - مدارس متخصصة للتعامل العلمي والصحيح مع من يعانون من صعوبات في التعلم كما هو الوضع في الدول المتقدمة؛ وأرجو ألا يخرج علينا أحدهم ويرفض بحجة أن هذا ضرب من ضروب (التغريب) القبيح.
كما أنني أقترح أن يكون هناك ميزة تفضيلية لذوي الاحتياجات الخاصة في الوظائف الإدارية أو الفنية التي تتناسب مع حالاتهم؛ لأن قدرة ذوي الاحتياجات الخاصة على إيجاد عمل محدودة، بالتالي لا بد من إعطائهم هذا التميز التفضيلي في وظائف بعينها تتناسب مع أوضاعهم مراعاة لحالاتهم.
والمملكة من أوائل الدول العربية التي التفت إلى ذوي الاحتياجات الخاصة مبكراً، فقد صدر مرسوم ملكي برقم م-37 وتاريخ 23-9-ش421 هـ، في عهد الملك فهد - رحمه الله - يقضي بالموافقة على نظام ذوي الاحتياجات الخاصة، وتشكيل مجلس أعلى لوضعه موضع التنفيذ؛ إلا أن هذا النظام لم يُفعل، ومازال للأسف مجرد حبر على ورق، فأغلب مواده مُغيبة عن الواقع؛ وهذا ما نضعه أمام نظر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله - حفظه الله -، لتشملهم رعاية أبوته الحانية، وينتقل هذا النظام من الرف إلى التطبيق.
إلى اللقاء.