في شهر رمضان بالذات تطفح قضية الاعتماد على العمالة المنزلية المستقدمة؛ ترتفع التكلفة بصورة مضاعفة ترهف كاهل الكفيل وتتأزم الأوضاع في الخلافات التي تصل إلى وقف الاستقدام من هذه البلد أو تلك بناء على جرائم فردية تؤثر في مصير الملايين من الجهتين، حيث لا يخلو بيت من خادمة أو سائق. وتثور التغطيات الإعلامية متحيزة لهذا الطرف أو ذاك حسب الحالة ومن يسجل أو يخفي تفاصيلها البشعة: هل عذبت الخادمة المريضة نفسيا طفلا بريئا ؟ أم عذبت ربة الأسرة المريضة نفسيا خادمة غلبانة؟ وتضاف البهارات الإعلامية إلى التغطيات وتضيع الحقيقة ومسؤولية الجريمة ويختفي طعمها الحقيقي المر في استثارة مشاعر التعاطف الإنساني المستهدف.
يتفق الكثيرون أن تأزمات العلاقة بين مستوردي العمالة البشرية ومورديها عندنا والعمالة نفسها تتسبب في حالة توتر في عمق الأسر والمنازل.. مرورا بشكاوى وقضايا واتهامات متبادلة وملغمة بالكذب وتزييف الحقائق من الجانبين وانتهاء بتشويه السمعة إضافة إلى الخسارة المادية والمعنوية. فهل أصبحنا بتعودنا الاعتماد عليها كليا ينطبق علينا القول: متى استعبدتم الناس.. ؟ أو المثل: «يا من شرا له من حلاله علة؟؟
وفي انتشار ظاهرة اتهام العمالة بكل الموبقات, من إساءة معاملة الأطفال, إلى العنف الجسدي, إلى السحر وصناعة المسكر والترويج له إلى السرقة والهروب والدعارة والاعتداء. وفي المقابل اتهام الكفلاء بالاستغلال ومنع الرواتب المستحقة والضرب والعنف أجد تلوثا مجتمعيا وإنسانيا أسوأ من طفح بحيرة المسك. وأسأل نفسي سؤالا عاريا من التحيز ربما يلامس جوهر المشكلة: من الذي أجبرنا على استقدامها؟ وهل هي إضافة لا يمكن الاستغناء عنها؟
أليس هناك حلول أخرى غير الاستقدام بكل سوءاته؟
هل نحن مثل الساعي إلى حتفه بظلفه !!
هل نحتاج العمالة بهذه الصورة الضرورية لغرس ملايين منها في بقعة جغرافية مجتمعية محدودة مساحة وسكانا, تختلف كثيرا عن معتادات مجتمعات مواطنهم الأم؟
قد يكون ذلك مبررا في المجالات التقنية والتخصصية التي لا نستطيع الإيفاء بمتطلباتنا منها محليا. أما إدخال العمالة في عمق المنازل والأسر والاعتماد عليها في كل شيء من الطبخ إلى تنشئة الأطفال فإن شيئا ما غير محسوب النتائج متوقع أن يحدث. وغالبا لن يكون حدثا سعيدا.. وعلينا أن ندرك ذلك ونجد حلولا أخرى لاحتياجاتنا.. غير الاستقدام.
ولن أدخل في خلفيات من نستقدمهم وننتقدهم ثقافيا ومهنيا ودينيا وقيميا، فالاختلافات بين المجتمعات واضحة مثل الشمس.. ولن أحدد من هو أفضل من الآخر, فذلك يعتمد على معايير ذاتية لا يتفق عليها اثنان حتى في نفس المجتمع. والله أعلم بالمتقين والمسيئين وفاقدي الذمة من الجانبين.
يبقى أن اعتيادنا الاستقدام في أي موقع جاء وبأي مبرر يحمل في مضاعفاته مشكلة تتفاقم احتمالاتها، ونحن الخاسر الأكبر من البدء إلى الانتهاء.
والمشكلة ليست فقط ما يصل إلى حقوق الإنسان ووزارة العمل واتهامات منظمات العمل والخلافات الأسرية وضياع هوية الأطفال. المشكلة متداخلة حد الجريمة من الاستغلال والإهانة والضرب لتقود إلى السواطير والمسامير والتسميم.. حتى النتيجة الحتمية في إقامة الحد.