محظوراتنا كثيرة، وتختلف بين محظورات متاحة ومحظورات مباحة. مخالفاتنا الاجتماعية والتجارية والاقتصادية والإدارية الكثيرة. محظورات متاحة، نحن نشتكي الفقر والبطالة، ونحن من أتاح لهاتين المشكلتين سبب الشكوى منها، فنحن من استقدم العامل بعد أن جهز له المحل بكامل مستلزماته من ديكورات وأغراض، ونسلمه للعامل يتصرف فيه كيف شاء بيعاً وشراءً دون رقابة وإشراف، مكتفين بمبالغ زهيدة لقاء إطلاق حريته في هذا أو ذاك من المحلات. ولولا أن الأفكار قاصرة والأقلام ناضبة لما اكتفيتُ بالتعليق على خبر تحديد بقاء العامل بمدة لا تزيد عن ست سنوات، على الموضوع في صفحته الإلكترونية من الصحيفة التي قرأت الخبر من خلالها، بقولي: «اجعلوها أربع فالست كثيرة». حيث إن تقليل مدة بقاء العامل عنصر مهم من عناصر مكافحة التستر، فالعامل لا يملك المحل (أي محل بقالة أو ورشة أو محطة تزويد السيارات بالوقود، ومحلات تصنيع وتنجيد الأثاث المنزلي... إلخ) صدقة أو كرماً من الكفيل، بل هي مدفوعة الثمن وبقيمة قد تزيد عن التكلفة بما نسبته 50% بالتقسيط المريح مقسماً على عدد من السنين، وكلما طالت مدة السنين كانت مدعاة لاطمئنان العامل على البقاء ما دام ممسكاً برقبة الكفيل بما لديه له من أقساط. ومع علم العامل أن القيمة مرتفعة، وتجربته لأشهر قليلة تؤكد له أن إيراد بعض المحال لا يمكن أن يغطي التكاليف والمصاريف المترتبة على المحل من كهرباء وتلفون وتجديد الرخص والسجلات، ومع ذلك يقدم بل ويحتفل. والمسألة ليست قصراً على الأفراد، فأي عامل وافد متى ما تمكن سواء كان عامل نظافة في مستشفى أو عامل تنجيد الأثاث أو عامل صالون حلاقة... إلخ.. يستطيع استقبال رسالة (sms) ممن يثق بأمانتهم وحصوله على المبلغ لقاء طلبهم بطاقة شحن بأي مبلغ لأي شريحة تحددها بالرسالة، وكلها ثوان معدودة ويأتي الرد بما يفيد بشحن الشريحة بالمبلغ المذكور. هذه عينة ونموذج للمحظور المتاح. ولا يقل عنها بل هو أدهى وأمر ما اضطر إليه بعض المزارعين من توقف قسري ألجأهم إلى تأجير أراضيهم الزراعية بمعداتها على كفلاء استقدمت العمالة لغرض تمكينها من ممارسة نشاطها أي كان. وقد يكون نشاطاً خفياً ممنوعاً ومحرماً شرعاً وعرفاً، وتستظل ممارسة النشاطات المحظور ممارستها عليهم باسم الكفيل الذي يقبض ثمن توقيعه على عقد الإيجار مبلغاً معلوماً كل شهر.
وعموماً هذا الأسلوب من أساليب التستر ظاهرة في الزراعة والورش والنقل ومحطات الوقود. وكفلاء الوافدين ممن يمارسون هذه الأساليب من التستر سبقوا البنوك والشركات في استحداث التأجير المنتهي بالتمليك بدون فتوى شرعية. ممارسة التملك والبيع والشراء والإتجار والإنتاج لغير المصرح لهم محظورات مباحة، ولكن بعض الوافدين استمرأ التمرد على الأخلاق. فالمدد الطويلة التي بقوا فيها مكنتهم من معرفة المداخل والخارج، فوطدوا علاقات المصالح المتبادلة مع الجائلين من المناديب والمسوقين سواء كانوا من جنسياتهم أو من جنسيات أخرى. وكثيراً ما أتفق هؤلاء، وقد يكون دون علم كفلاء الطرفين - وعدم العلم لا يعفي كفلاء تجارة التأشيرة من مسؤوليات مكفوليهم- فتمادوا في التعاطي مع المحظورات غير المباحة لأرباحها الكبيرة المحرمة شرعاً، بتبادل المنفعة بينهم. فهذا مزود موثوق فيه لدى الموزع أو البائع، وهذا موزع أو بائع موثوق فيه لدى المزود.
لا يمكن للوعي قبول ما نسمع ونشاهد من كميات كبيرة للمواد المهربة من المخدرات المختلفة بأنها موجهة لعدد محصور من العملاء السعوديين لتولي تصريفها، خاصة وإنها تسبق بتنسيق بين الطرفين ومتابعة لخط سيرها. ولا يمكن أن تفوت هذه الاتصالات والتنسيق على الرقابة إلا أن تكون بلغة مشفرة، وهو ما نعاني منه حينما يلتقي المناديب والمسوقين وعمال البيع (الملاك) في المحلات، حيث يتحدثون فيما بينهم بلغة مشفرة فعلاً بالنسبة لنا، فالهند وبنجلاديش تتكلم أكثر من أربعمائة وسبعين لغة محلية، خلاف اللغة المشتركة بين سكان تلك المناطق، مما يتعذر معه التقاط أدنى شبهة عليهم. ولكي يقضى على الكثير من المحظورات المباحة -أي الأعمال غير المصرح بها لغير أبناء الوطن، والمحظورة على غيرهم- لا بد من التفاتة واعية لمستقبل الأمن الاجتماعي والأخلاقي والاقتصادي والثقافي لهذا الجزء من العالم المتميز بفضل الله ثم بفضل قيم وموروث أهله، وهو التميز الذي جعله هدفاً وغاية للمفسدين في الأرض بما يحاولون تصديره لنا من المتلفات الأخلاقية والعقلية والعمالية. إذا أخذ في الاعتبار بأن كثيراً من دول تصدير العمالة الشرقية تستبعد من أراضيها أصحاب السوابق بتصديرهم كعمال لنا. فالجرائم التي سمعنا بها وقرأنا أخبارها عن بعض الخادمات في المنازل لا يمكن أن تحدث تحت ظل أي ضغوط نفسية أو عملية ما لم تكن تمرست على الجريمة.
لذلك كله وغيره، وتحوطاً لما قد يكون في مستقبل الأيام من نزوع تذكيه أطراف خارجية نحو المطالبة بحقوق للمقيمين من المفسدين في وطننا هي ليست لنا في أوطانهم، بأن يصار إلى تشريع حاكم يمنع بأي حال وفي كل حال بقاء الوافد من أي جنسية كانت أكثر من أربع سنوات كحد أقصى. لنقضي على كثير من المشكلات الناتجة والمتعلقة بوجود عمالة باقية حيث شاءت. والله ولي التوفيق والقادر عليه.