تُعتبر ظاهرة الفساد (Corruption) والفساد الإداري بصورة خاصة ظاهرة عالمية شديدة الانتشار ذات جذور عميقة تأخذ أبعاداً واسعة تتداخل فيها عوامل مختلفة يصعب التمييز بينها، وتختلف درجة شموليتها من مجتمع إلى آخر. والإطار العام للفساد ينحصر في سوء استعمال السلطة أو الوظيفة العامة، وتسخيرها لقاء مصالح ومنافع تتعلق بفرد أو بجماعة معينة، كما يمكن للفساد أن يحدث عن طريق استغلال الوظيفة العامة، وذلك بتعيين الأقارب ضمن منطق (المحسوبية والمنسوبية) أو سرقة المال العام وقبول الرشوة لتسهيل عقد أو إجراء طرح لمناقصة عامة... إلخ. والفساد الإداري ما هو إلا نوع من أنواع الفساد الذي قد يكون وظيفياً أو مالياً أو أخلاقياً، ويتعلق بمظاهر الفساد الإداري الانحرافات الإدارية والوظيفية أو التنظيمية، والمخالفات التي تصدر عن الموظف العام أثناء تأديته لمهام وظيفته، والتي تتمثل في عدم احترام أوقات ومواعيد العمل والامتناع عن أداء العمل، أو التراخي والتكاسل وعدم تحمل المسؤولية، وإفشاء أسرار الوظيفة... إلخ.
ولقد حظيت ظاهرة الفساد في الآونة الأخيرة باهتمام الكثير من الباحثين والمهتمين في مختلف الاختصاصات، واتفقت الآراء على ضرورة وضع وتأسيس إطار عمل مؤسسي الغرض منه تطويق المشكلة وعلاجها من خلال خطوات جدية ومحددة، لمكافحة الفساد بكل صوره ومظاهره وفي كافة مجالات الحياة لتعجيل عملية التنمية الاقتصادية.
ويُعد مفهوم الحكومة الإلكترونية من مفاهيم الإدارة الحديثة في وقتنا الحاضر، وغاية تسعى إليها المؤسسات العامة على مختلف أنشطتها للوصول إلى الشفافية في التعامل وتبسيط الإجراءات وسرعة الإنجاز، وتخفيض التكاليف، ورفع كفاءة تقديم الخدمات العامة والتقليل من البيروقراطية بمفهومها التقليدي الشائع والقضاء على المحسوبية، فضلاً عن تحقيق الشفافية في الإدارة ومكافحة الجرائم الوظيفية وعلى رأسها الفساد الإداري والمالي. وتهدف الحكومة الإلكترونية إلى تقليل الاعتماد على العنصر البشري في إنجاز المعاملات وتقديم الخدمات الحكومية على اختلافها وذلك عبر الوسائط الإلكترونية وأدوات التكنولوجيا وأهمها الإنترنت والاتصالات للوصول إلى الاستخدام الأمثل للموارد وضمان توفير خدمات حكومية مميزة للمستفيدين. وتأسيساً على ما سبق فإنه يتبادر إلى الذهن السؤال التالي: هل تستطيع الحكومة الإلكترونية مكافحة الفساد؟
فإذا تمعنا في المزايا التي تتميز بها الإدارة الالكترونية اتضح لنا أن لها دوراً كبيراً في الحد من ظاهرة الفساد بكافة أشكاله وصوره، فالتحول إلى الإدارة الالكترونية وانتشار تكنولوجيا المعلومات في الأجهزة الحكومية يمكن أن يحسم الكثير من مشكلات الفساد ويحقق العديد من المزايا التي تساعد على الحد منه وتقليل آثاره السلبية على المجتمع وسلوكيات الأفراد، فالآثار المدمرة والنتائج السلبية لتفشي هذه الظاهرة المقيتة تطال كل مقومات الحياة فتهدر الأموال والثروات والوقت والطاقات وتعرقل أداء المسؤوليات وإنجاز الوظائف والخدمات، وبالتالي تشكل منظومة تخريب وإفساد. تسبب مزيداً من التأخير في عملية البناء والتقدم في المجتمعات والارتقاء بخدمة المواطنين.
abdulaammar@gmail.com