الوضع في ليبيا غير مستقر، ولا أحد يعرف بالضبط ماذا يحدث، ويبدو أن الثوار أقل من أن يكونوا قادرين على السيطرة على البلد لوحدهم، فروح الرعب بالانتقام والانتقام المضاد من كلا طرفي الصراع يجعلهما في حالة قلق وكر وفر، والضحية دائماً الشعوب والناس والنساء والأطفال. ولا أحد على وجه التحديد يعرف كم قتيل وشريد وطفل مؤذى ولا وضع المستشفيات أو وضع الحالات الإنسانية في ليبيا ولا حالة البنوك والتموين. ليبيا محاصرة من الثوار ومحاصرة من معمر القذافي، ولا إعلام صادق في ليبيا، ولا يزال الهم الإنساني في ليبيا يشغل بالي وبال الكثيرون أكثر مما تشغلنا الحرب السياسية والحرب العسكرية فيها!
فهناك عائلات في كل بلد في العالم -وليبيا واحده منها- تعتمد في قوتها اليومي على التمويل، فما هو حال هذه الأسر وماذا عن النقص في الأغذية الأساسية والأدوية وما هو حال المستشفيات والجرحى في مستشفيات ليبيا وماذا عن الأوضاع المادية والمعيشية في المناطق التي يسيطر عليها الثوار في ظل غياب الدولة وغياب الراعي للناس في حياتهم، والمجلس الانتقالي لا زال بشهادة الناس سلبي!
هل تعيش ليبيا في حالة كارثة إنسانية؟ لا أحد يعلم على وجه التحديد وكل العيون تركز أنظارها على القذافي وأنجال القذافي وأسرته وحتى «توك توكه»، ويغيب عنها حالة الشعب نفسه، والثوار أنفسهم لم يتمكنوا بعد من أن يقدموا صورة عن أنفسهم واضحة فلا يملكون أي وسيلة إعلامية واضحة وواصلة للناس، مثل قناة «شام» على سبيل المثال التي هي الناطقة باسم ثوار سوريا، والتي من خلالها تتضح لنا صورة هؤلاء الثوار، في تصوري لا زال ثوار ليبيا بصورة نصف ظاهرة لنا كمتابعين!
كذلك من صور غياب الإعلام في ليبيا عدم وجود مواقع حرة تستطيع أن تعرف ماذا يحدث في ليبيا حتى في تلك المناطق التي يسيطر عليها الثوار ولا صحف أو موقع رسمي للثوار، ولا حتى عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي باتت الساحة الرئيسية لثوار العالم العربي.. وحتى إعلام الصراع داخل طرابلس نفسها صارت تظهر أخبار غريبة جداً وهذا مما يزيد الكارثة الإنسانية في ليبيا ولا يهدئها ذلك أن السجناء الذين قبض عليهم الثوار هربوا من مقار سجنهم بفعل الكتائب الخاصة بحماية القذافي وعائلته وهذا يعني أن البلد لا تزال تحت النار، مع أني أدرك جيداً اللعبة الإعلامية الذكية التي يديرها القذافي وزمرته وأفهم تركيبته الفكرية المرضية والنرجسية العالية في محاولاته لبعث روح الهزيمة في نفوس الثوار ونفوسنا، مع ذلك لم يفلح ولن يفلح، ما يقلقني وهو الأهم الأوضاع الإنسانية للأطفال والنساء في هذا البلد فكل طلقة نار تعني رعب في قلوبهم وتعني جوع ومرض وخوف!
إن هذا الاهتمام الحربي والعسكري وخاصة من أوروبا في ليبيا النفطية لا يوازيه اهتمام إنساني في حالة البشر في طرابلس وباقي ليبيا، وهذا بالفعل يدل على أن آلة إعلامية توجه العالم وتجعله وتجعل الناس تركز على الجانب غير المهم أو غير الرئيسي وتهمل الشيء الأبرز ذلك أن الثورة إنما جاءت لتحرير الإنسان وأيدها الغرب لأنها كذلك، لكنها الآن تتجاهل الإنسان الضعيف وتركز بصرها وبصيرتها وإعلامها على الإنسان المقاتل وهذا حق، لكن الأحق منه بالتأكيد هو التركيز على النواحي الإنسانية للمواطن الليبي الذي أعتقد أنه تحت السندان الحربي والإعلامي المختطف!
www.salmogren.net