لفت انتباهي ظهور امرأة بريطانية قبل أيام وهي تتحدث أمام كاميرات التلفزة مؤكدة أنها أرشدت الشرطة إلى ابنتها التي دخلت ضمن غوغائيين في اضطرابات لندن الأخيرة وأخذت تشاركهم في سرقة أحد المحلات التجارية، السيدة البريطانية برهنت عملياً على أنها مواطنة صالحة، تدعو للحكمة ومعالجة الأمور بالحوار والتناصح، وتنبذ أعمال الشغب والتخريب وإتلاف الممتلكات باسم المظاهرات لإعلان المطالب والحاجات التي يمكن التقدم بها بأسلوب حضاري ينم عن رجاحة عقل وتأن وحلم وحكمة، قالت عن تسليم ابنتها للشرطة: إنه قرار صعب، لكن كيف أكون مواطنة صالحة إن لم أفعل؟! هكذا، بفكر عال رفيع وتلقائية مبسطة وقناعة شخصية بأهمية العدل والمساواة، تصرفت بوازع وطني وحس أمني راق، لم يجبرها أحد وبإمكانها أن تغض الطرف من أجل فلذة كبدها، لكنها المبادئ الثابتة والصدق مع الذات والإيثار وتحقيق شعار (ما تحبه لنفسك يحبه الآخرون)، هذه دروس يمكن الرد بها على من يصدون عن كل ما جاء عن الغرب حتى إبداعاتهم واختراعاتهم التي نحن بأمس الحاجة لها، يقول فضيلة الشيخ الدكتور أحمد الكبيسي في أحد دروسه الرائعة، إن الدول الغربية إنما سادت وعلا شأنها بسبب العدل الذي ينشرونه (بينهم) وأنهم كلما تمادوا بظلم الآخرين والتجبر عليهم فإن هذا يقلل من شأنهم وينقص قدرهم عند الأمم جيلاً بعد جيل، وبرهن على ذلك بدلائل يطول شرحها.
وفي حلقة يوم السبت 13/ رمضان تحدث الداعية عمرو خالد في برنامجه (مع التابعين) عن أهمية التوازن في الحكم على الآخرين حتى على من نعتقد في أنفسنا أنهم أعداء أو غير مرغوبين لدينا، وشدد على ضرورة حشد إيجابياتهم إلى جانب سلبياتهم لأنهم بشر، ورب زيادة في جانب عندهم عوضت ما نراه نقصاً في الجانب الآخر، فلا نظلمهم أو نهضم حقوقهم لمجرد إننا يمكن أن نسجل بعض السلبيات أو المآخذ.
والدكتور عبد الرحمن العشماوي أورد في برنامجه (أمهاتنا) أي أمهات المؤمنين رضي الله عنهن أمثلة من التوازن والاعتدال في تعاملهن فيما بينهن، وبينهن وبين الصحابة رضوان الله عليهم، وأكبر من ذلك وأعظم تعامل المصطفى صلى الله عليه وسلم مع زوجاته والعدل بينهن ومعاملة كل منهن بما يناسبها، الأمثلة كثيرة والمهم كيف نطبقها قولاً وعملاً فيما بيننا في الأسرة الواحدة والمجتمع الواحد، قد لا نستطيع تماماً أن نكون أنقياء من كل الشوائب، لكن علنا نتخلص مما يشوه صورنا أمام الله سبحانه وأمام عباده بقدر ما نستطيع، وجدير بمدمن المحاولة والتدرب على الفضائل أن يصل للتمام والكمال بما يليق ويناسب البشر العادي غير المعصوم، الذي ينشد الحق والعدل وبه يأمر ويأتمر.
أجزم أن المئات يسخرون من تصرف المواطنة البريطانية تجاه ابنتها، وكأني بها ترد عليهم: (لقد قال نبيكم أيها المسلمون ما معناه: لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها).