عرفت فريد النمر شاعرا ومحاورا وكاتبا لا يمل من العطاء والتدفق وقد شدني الكثير من شعره قراءة وتأملا، لكن قصيدته رعشة تحت الرماد تأتي من أكثر قصائده عمقا وانسيابية عبر معانٍ يقف القارئ مشدودا أمامها في قراءات متتالية تفتح له في كل قراءة بابا آخر..
والقصيدة من عنوانها توحي بانتفاضة وتمرد جعل الشاعر منها مكاشفة صريحة لذلك السكون الذي يعيشه الآخر تجاه العواطف والأحاسيس المتدفقة بصدق من قبل الشاعر الذي توحد مع المدينة والوقت في ومضات وجدانية متتالية لكنه يبدو في كل مقطع من مقاطع القصيدة طوع القياد لعاطفته الإنسانية حيث الذات تسيطر على كل أجواء القصيدة يقابلها غياب تام للطرف الآخر، لكن رغم كل ذلك تأتي موسيقاه المتناغمة ونقلاتها الهادئة لتجعل من القصيدة التفاتة جاذبة لعديد من القراء وأنا أحدهم.
والنمر الذي دخل انطولوجيا الشعر السعودي يتميز بمطولاته الشعرية نظرا لما يتمتع به من نفس شعري غزير وثقافة لغوية وسرعة في تطويع القصيدة وقد شارك هذا العام 2011م في مهرجان الألف شاعر عربي بجمهورية مصر العربية في القاهرة وورد اسمه أيضا في الموسوعة الكبرى للشعراء العرب الصادرة في المغرب العربي 2010م.
وبعودتنا للقصيدة تتضح بعض ملامحها عبر هذه القراءة المتواضعة والسريعة أيضا. فالرعشة في اللغة تأتي بمعنى النشوة لكنها هنا اختلفت في معناها فجاءت تحديا لواقع أراد أن يسهم في تحطيم الأمل وصمود لا يقبل المساومة والاستسلام والإحباط.
والشاعر النمر الذي ينطبق عليه هذا القول: الشاعر كالصياد لا يتدخل إلا إذا نبهته رعشة حباله» فقد أراد أن يزيح هذا الركام من بين ذلك الحطام فأوحت له هذه الرعشة بهذا التدفق الشعري الجميل، فجاءت القصيدة تسبر أغوارعواطفه ومشاعره الخلاقة عبر هذه المعاني البعيدة عن التكلف والتصنع فجسّدها شعرا راقيا مبتعدا فيه عن القوالب الجاهزة في صور فنية معبرة وهنا يأتي الإبداع واضحا عبر هذه الومضات المتناغمة خاصة بين الغناء والخريف قائلا:
أدركت في رعشات روحك
كيف تصطاخ المدينة للغنا
وكيف يسرقها الخريف.
وتستمر هذه الشحنة الشعورية فيعود الشاعر إلى قلقه الأزلي حيث يتعمق فيها الإحساس من خلال هذا المقطع الجذاب بين حركة الفعل والصورة ينم عن قدرة على تطويع الكلمة المشعة في سياقها التعبيري عبر هذا المشهد الرومانسي الذي يتسم بالوضوح والشفافية.
فبحثت عنك بضفة الضوء المبعثر
بين أحلام الصبايا
في نوادي العشق
في كل الشجيرات التي خلفن صفرتها
على الورق العفيف
ورغم الوجوم الذي بدا واضحا في هذه الصورة الشعرية التي صنعتها الصدمة جعلت الشاعر غير قادر على مغادرة اللحظة الزمنية لكن الاختلاجة الشعورية تبدأ حدتها وعنفها في نهاية المقطع حيث تبدو الانهيارات واضحة في آمال الشاعر:
ووقفت في درب تحير
كيف يشعر نفسه بالخطو عند المنحنى
ولأي قارعة ترى يتدحرج الوقت
الذي أعياه موسمه العنيف
وعبر هذه الصورة الدرامية المثيرة تتضخم المعاناة عند الشاعر في كلمة (العشق الكفيف) لتنفد في لباب الوجدان الإنساني الباحث عن الدفء والحنان بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى قائلا:
من أين أستجدي حديث السنبلات
من أي زاوية أحدد ومضة العشق الكفيف
ينهي الشاعر قصيدته التي لم نورد إلا مقتطفات منها بالاستسلام بعد أن أدرك أن عواطف الأسمنت ومدائن البوح لا شيء يمكن أن تضيف حسب قوله فبدأت الإخفاقات واضحة رغم التمرد الذي أوحى به العنوان وهذه طبيعة النفس البشرية المسكونة بالترقب والحيرة والانتظار عندما تصبح ذليلة القياد أمام الجمال البشري والطرف الآخر يواجه ذلك ببرود.
أخيرا تعبر القصيدة في مدلولاتها عن شاعر متمكن من أدواته الفنية وتنم عن حساسية مرهفة رغم الأجواء التي امتزجت فيها بين الحيرة مرة وبين الأسئلة المتكررة مرة أخرى فأعطتها زخما شعوريا صادقا نجح النمر في تحويلها إلى لوحة معبرة بالأحاسيس الإنسانية.