سعادة الأستاذ خالد بن حمد المالك رئيس تحرير جريدة الجزيرة وفقه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نشرت الجزيرة في عددها 14185 في يوم الأحد 30-8-1432هـ الموافق 31-7-2011م مقالاً للأستاذ سلطان بن محمد المالك في عموده (أفق) تحت عنوان (السوم بـ 25 ألفاً والحد 30 ألفاً للخادمة) تناول فيه ما وصلت إليه أسعار تأجير الخادمات وتكاليف التنازل أو البيع وهذا هو الصحيح، وتساءل قائلاً: (أيعقل أن نصل إلى هذه المستوى من التفكير، هل نحن في عصر الجاهلية لنتاجر بالبشر، كيف يحدث هذا، لماذا لا يقضى على هذه الظاهرة الدخيلة على مجتمعنا؟!) وما تطرق له الأخ عطاالله الجروان في تقرير نشر في العدد 14189 يوم الخميس 4-9-1432هـ الموافق 4-8-2011م وما أود طرحه تعقيباً على كلامهما ينطلق من التساؤلات التالية:
* ما الذي أوصلنا إلى هذا الوضع؟ وما هو الحل والعلاج؟
* هل أصبحت الخادمة تشكل جزئية أساسية في نسيجنا الاجتماعي؟
* إلى متى سنستمر نعتمد على العنصر الوافد حتى في أمور خصوصية بحتة من حياتنا؟
* إلى متى سنستمر عرضة للضغط من قبل دول أخرى وبشروط غير واقعية كما حصل مؤخراً والابتزاز من السماسرة استغلالاً لاعتمادنا على الخادمات المنزلية؟
* لماذا لا تعود الفتيات السعوديات إلى أدوارهن الحقيقية؟
* لماذا لا يكن هن المشرفات بالدرجة الأولى على بيوتهن وأسرهن؟
قد يبرر البعض ذلك بالانشغال بالعمل أو الدراسة، وأن الوقت لا يتيح لهن الفرصة الكافية للقيام بهذه المهمة، أو التوفيق بين العمل والمهام المنزلية، وقد يكون هذا عذراً حقيقياً للبعض ولكنه أوهام ومبالغات لدى البعض الآخر، وأقول بالجدية والعزيمة وقوة الإرادة والتنسيق يمكنهن تحقيق ذلك، ولتكن نساء الصحابة وجيل النبوة رضوان الله عليهم والسلف الصالح مثلاً وقدوة ونبراساً لهن في هذا الميدان فهذه فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم سيدة نساء أهل الجنة وابنة رسول الأمة صلى الله عليه وسلم، كانت تعمل بيديها لبيتها ولزوجها علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهذه أسماء بنت الصديق رضي الله عنه تعمل لبيتها ولزوجها الزبير بن العوام رضي الله عنه حواري الرسول صلى الله عليه وسلم وابن عمته صفية بنت عبدالمطلب رضي الله عنها، وبأعمال شاقة لا تقارن بجزء مما تقوم به نساء اليوم، ومع ذلك كان لهن الدور البارز في العناية بأمور المنزل وتربية الأطفال، قد يقول قائل إن جيل الصحابة رضي الله عنهم جيل نادر لن يتكرر ومن كافة النواحي، ومن ثم فلا مجال للمقارنة، أقول نعم، ولكن لنا أسوة حسنة أخرى في الأجيال السابقة من الجدات والأمهات، فما يفصلنا عن زمنهن سوى سنوات قليلة، ويعيش اليوم بيننا الكثير منهن، وكان العمل المنزلي مصدر فخر واعتزاز لهن، ولم يكن لديهن من الأجهزة المنزلية ما يوجد لدينا في هذا العصر! ولديهن من المهام أضعاف ما لدى نساء وبنات اليوم، ومع ذلك لم يكن ينظر إليه في يوم من الأيام على أنه مصدر إهانة واحتقار للمرأة كما هي النظرة السائدة في يومنا هذا، وسؤال آخر يطرح نفسه هل جميع النساء في مجتمعنا تعمل خارج المنزل؟
ولو سلمنا جدلاً بذلك وفي حالة الإجابة بنعم، فهل أعمالهن تستقطع الجزء الأكبر من أوقاتهن؟
الجواب لا بطبيعة الحال، ومع ذلك فلا مانع أن توجد الخادمة لظروف وقتية أو حتى مستمرة تتطلب وجودها كمرض وعجز وخلافه، وإنما الأسباب الحقيقية لوجودها والمطالبة بها هي الرفاهية الزائدة عن الحد، والحرص على المظهر الاجتماعي، حيث تجد في بعض المنازل في كثير من الأحيان ما يزيد على خادمة، فقد يكون هناك اثنتان أو ثلاث دون حاجة فعلية لذلك، والكلام ينطبق على العمالة بنوعيها الرجالية والنسائية والتي أوصلتنا إلى ما نعيشه الآن، وعودت أفراد الأسرة من بنين وبنات على التراخي والاتكالية وعدم الجدية وفي النهاية عدم المقدرة على تحمل المسؤولية أياً كانت، حتى أصبحنا موضع التندر والسخرية من حيث الكسل والعجز.
لماذا لا يكون لأولياء الأمور وربات البيوت اهتمام بذلك؟ من خلال إسناد أدوار ومسؤوليات لأفراد الأسرة وكل يساهم حسب سنه ومقدرته وبشكل تدريجي وبذلك يكتسب الخبرة والثقة بالنفس وتحمل المسؤولية، كما افتقدها بشكل تدريجي وسنرى كل فرد يفتخر بما يقوم به عندها وسيصدق في فتياتنا قول الشاعر:
الأم مدرسة إذا أعددتها
أعددت شعباً طيب الأعراق
نقطة أخرى في سياق الحديث عن الخادمة الوافدة، هل تمعنا جيداً في الانعكاسات السلبية على الأسرة والمجتمع؟ وهل نحن مدركون لما جنيناه من مخاطر على أنفسنا وعلى مجتمعنا من خلال التوسع في هذا الجانب والتي من أبرزها مايلي:
أولاً:حالات الفشل في الزواج والتي بلغت معدلات عالية، أصبحت حديث المجتمع بحثاً عن مصدرها وطرق العلاج لها، والسبب في نظري أو لعله أحد الأسباب التي لا يمكن إغفالها أو تجاهل أثرها هو الاتكالية المبالغ فيها في الاعتماد على الخادمة الوافدة جراء ما يعيشه المجتمع من الرفاهية، وعدم إسناد أي دور للفتيات في المنزل، مما أفقد الفتاة الدور الأساسي لها، وبالتالي أفقدها القدرة على القيام بأعمال المنزل، وفتحت الباب على مصراعيه للخلافات الزوجية، والتي غالباً ما تنتهي إلى أبغض الحلال عند الله.
ثانياً: ومن الانعكاسات السلبية أيضاً الاعتماد شبه الكلي على الخادمة الوافدة في تربية الأولاد والعناية بهم وترك الحبل لها على الغارب دون إدراك لخطورة ذلك، وفقدان تلك العلاقة المميزة بين الطفل وأمه والقائمة على الحنان والترابط العاطفي مما يشعر الأطفال بالغربة والفراغ العاطفي لعدم تفرغ الأم لهم والاهتمام بهم، مما أسهم بالتفكك الأسري والاجتماعي، وأصبحنا نسمع عن تصرفات من العقوق تصدر من الأبناء هي غريبة تماماً عن مجتمعنا، إضافة إلى ما يلحق بالأطفال من الأذى الجسدي من قبل البعض منهن في غياب الوالدين وانشغالهما.
ثالثاً: ومن الانعكاسات أيضاً والتي لا يمكن إغفالها ممارسة بعض الخادمات للعديد من المخالفات الشرعية المخلة بالعقيدة سواء بقصد أو بجهل كالبدع في العبادة أو قد يصل الأمر إلى بعض الممارسات الشركية كالسحر والشعوذة وقراءة الكف تجاه أفراد الأسرة أو غيرها، وعلى أقل القليل انتقال العديد من العادات والتقاليد إلى مجتمعنا عن طريق هؤلاء الخادمات أو الوافدات من خلال تعلق الأطفال بهن، وهذا يكون أشد ضرراً عندما تكون غير مسلمة، وكم من القصص المؤلمة التي تروى في هذا المجال والتي شكا البعض منها مشكلات حولت حياة الكثير من الأسر إلى مآس وجحيم، حيث تأصلت تلك العادات والممارسات في نفوس الأبناء وأصبحت من المسلمات في حياتهم، أو على أقل القليل تركت أثراً في نفوسهم لا بد وأن تظهر نتائجه يوماً من الأيام.
رابعاً: كما أن هناك مخاطر أمنية عانت منها أسر أخرى نتيجة إطلاق العنان للخادمة في المنزل وفي أحيان كثيرة دون رقيب أو حسيب، بحيث تطلع على الكثير والكثير من أمور الأسرة، وما أكثر السرقات التي تمت على أيدي هؤلاء الخادمات، وأحياناً كثيرة تصل إلى حد التنسيق مع أطراف أخرى، كما تطور الأمر حتى وصل حد القتل في سبيل ذلك، وهناك الكثير والكثير من المخاطر التي شكلت في مجملها مصدراً للقلق تجاه الأجيال القادمة.
خامساً: أخيراً.. من المخاطر التي لا يمكن الاستهانة بها، ما أصبح حديث المجتمع من انتشار السمنة والتهديد من بعض الأمراض المترتبة عليها كالسكري وضغط الدم وارتفاع نسبة الكولسترول وغيرها، والسعي للتخلص منها والقضاء عليها، وفي اعتقادي أن ممارسة المرأة للأعمال المنزلية ولو بجزء بسيط، سيسهم بعون الله في القضاء على هذه الظاهرة، والحفاظ على الصحة، كما أنه سيجعل من وجود الخادمة شيئاً هامشياً بدلاً من كونه ضرورياً.
رياض بن إبراهيم الروضان - محافظة عنيزة