أكتب كلماتي في يوم الجمعة السادس والعشرين من شهر رمضان الكريم 1432.. وتقرأونها اليوم الأحد الثامن والعشرين منه: وقد تكون الليلة في أي منهما ليلة القدر:
إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5) صدق الله العظيم ..
وليت السلام يعم أرجاء هذا العالم ولو لليلة..
والدعاء في هذه الليلة المباركة مستجاب. فشاركوني الدعاء..
وقد تكون مرّت ولكني ما زلت أدعو كل ليلة وأطلب من الله أن يستجيب:
أتمنى أن يعمَّ السلام والإخاء والتقبّل هذا العالم المكتظ بالبشر المتنافرين وأن ينزع الغشاوة عن أعين من يظنون أنهم أفضل من الآخرين وأحق بالبقاء أو أجدر بقيادة الآخرين وليس هناك ما يزكيهم غير احتفائهم بأنفسهم حتى لو قادوا الغير إلى حتفهم.
وأتمنى أن ترتفع الغمة الاقتصادية التي طالت بإظلامها لمصادر الأمل أصقاع هذه الكرة الأرضية المتداخلة؛ ليستطيع الفقراء أينما كانوا أن يتنفسوا ويناموا الليل براحة وسلام دون قلق أو أرق حول من أين سيأتي رزق الغد.
وأتمنى أن تزول الغمة البيئية فلا نرى الملايين يموتون جوعاً في التصحّر ولا نستطيع أن نفعل أكثر من مدهم بالغذاء.. أو نرى الملايين يموتون متأثرين بالإشعاعات النووية ثم نتجاهل أصلها وتأثيرات التنافس على قتل السلام بصناعة وتجارة الأسلحة وتراكم مخلفات الحروب.
وأتمنى أن أرى شباب وشابات وطني على امتداده العربي يجدون الأبواب مفتوحة أمامهم لتطوير احتمالات مستقبلهم ثقافياً ومادياً ومجتمعياً فلا يشعرون بأنهم غرباء في أوطانهم لا خيار لهم غير اللجوء إلى ما وراء حدودها أو الصراخ في شوارعها أو الانكماش في مشاعر اليأس والغرق في الاكتئاب أو الاستسلام لإغراءات الجريمة ونداءات التنفيس عن الضيق بالعنف ضد أنفسهم وأوطانهم. امنحهم يا رب السلام النفسي والمادي.
وأتمنى أن يمنحنا الله مفكرين يقدمون حلولاً علمية واقتصادية ترفع المعاناة عن خلق الله, لا مفكرين يكررون خطابات مفرغة من الصدق يبحثون عن منابر تضخم أصواتهم بما يخدم فقط مصالحهم الخاصة ونجوميتهم حتى لو نادوا بالفرقة وقتلوا السلام.
وأتمنى أن أرى الوعي الحضاري ينتشر في هذا الوطن الحميم لنرى العلاقات بين أبنائه وبناته وأسرهم وقادتهم تنسج منه أفضل موقع يقوم على الفعل الصالح لا تناقض فيه بين المظهر والمخبر والمعلن والمستور والمجهر به والمسكوت عنه: الفعل الذي تقوم أساساته على المحبة والاحترام والحقوق للجميع فيؤسس للسلام الدائم في النفوس؛ ونكون جميعاً فريقاً واحداً للبناء: لا نرضى عنفاً أسرياً ولا جهلاً مجتمعياً ولا تحاملاً ولا عنصرية ولا ضيماً ولا ظلماً ولا استغلالاً من الأقوى للأضعف.
هذه دعواتي للعزيز القدير فشاركوني الدعاء وليكن دعاء أبعد نطاقاً من أنفسنا الأنانية ليشمل كل الآخرين بالخير ولا يتضمن الشر. فالله أعلم منا بمن يستحق الثواب ومن يستحق العقاب. وما طلب العبد شيئاً لغيره إلا وشاركه فيه خيراً وشراً.
تقبّل الله منّا ومنكم الصيام والقيام ومنحنا السلام.. وأثاب الصالح من أفعالنا وأعاننا على الارتقاء بها إلى مستوى مرضاته عنّا وعنها.. وليس مرضاتنا أو مرضاة البشر أمثالنا.
وفي انتظار العيد: كل عام وأنتم وأحبابكم بخير وسلام.
اللهم منك نطلب سلاماً يملأ كل القلوب بكل الليالي والأيام.