إنه جيل (بعبع)، إذا أكل لا يشبع، وإذا ناديته لا يسمع، وإذا نخيته لا يفزع، وإذا طلبت منه شيئاً لا ينفع، ويرتدي بنطال البرمودا والـ(تي شيرت) ويمشي بين الخلائق أصلع.
وإذا ناقشته لا يقنع، تقول له إن البرمودا لا يليق بك فيقول لك (عادي)، تقول له إن (كرعانك) تشبه (عساقيل) اللقلق، يقول لك ما هو اللقلق فتقول له إنه طائر البلشون فيقول لك عادي. يتناول (اللاب توب) ويبقى يطقطق فيه إلى منتصف الليل فتنصحه بالنوم لأجل الدوام فيقول لك (عادي)، تقول له ستتأخر عن العمل فيقول لك عادي، تقول له سيخصم المدير من راتبك فيقول لك عادي، تقول له سينقلك إلى منطقة نائية فيقول لك عادي، وحينها لن تداوم هنالك بانتظام فيقول لك عادي، تقول له سيطردونك من العمل فيقول لك عادي، وحينها ستكون عاطلاً باطلاً فيقول لك عادي، تقول له ستموت جوعاً يقول لك عادي.
***
بالطبع كل ما أسلفناه يخص بالدرجة الأولى الشباب السلبيين، أما الشباب الذين يتقدون حيوية وحركة وإنتاجاً ومنطقاً فهم (على العين والرأس)، بل إننا نتفهم معاناتهم الذريعة من النبذ الاجتماعي، فلا يسمح لهم بدخول المولات والأسواق لأنهم بزعم المتشددين يمثلون خطراً اجتماعياً (!!)، لذلك يذهبون إلى براحة في الحي ويمهدونها لتصبح ملعب كرة لهم فيأتي مالك الأرض ويطردهم، لأنهم بزعمه سيستولون لاحقاً على أرضه. يأخذون معهم (براداً) من الشاي وآخر من القهوة، ويمدون بساطهم على أرض بيضاء قرب أنوار الشوارع فيأتيهم من يقول لهم ماذا تفعلون هنا؟! ويجيبون بكل بساطة لا شيء سوى الجلوس وشرب القهوة، لكنه يمعن في التساؤل فيما إذا كانت قهوتهم حقيقية أم لا. فيقولون له والله إنها قهوة وهم بذلك صادقون سواء أكانت قهوتهم من البن أو العنب، لأن هذين المشروبين يقال لهما باللغة العربية قهوة وكانت الأخيرة مشروب أهل الجاهلية قبل الإسلام والعياذ بالله.
***
بقي أن نقول وأنا أكرر اعتزازي بالشباب المنتج لا شباب (كله عادي) السلبيين حتى في المنطق، أقول إن أكثر ما يغيظني منهم هو استخدام جملة أكثر سلبية من مفردة عادي وأعني بذلك قولهم (ما عندك مشكلة)، لأنك حينما تنصح أحدهم فيما يخصه يقول لك ما (عندك مشكلة) لدرجة أنك لو أخبرته عن موت والده لقال لك بكل برودة (ما عندك مشكلة)، ساعتها إذا لم تكن تملك الصبر مثلي فإنك سوف تشخط فيه وتقول له: المشكلة عندك أنت لا عندي أنا.