قال لي صاحبي متى أرى الطاغية القذافي وهو يعذب أمامي بعد أن قتل الأبرياء وأهدر أموال الدولة في إفناء شعبه، قلت له: يا صاحبي إن هذا الذي يجري على يد هذا الطاغية في ليبيا، وما يجري على يد غيره من الطغاة هو العذاب الشديد في الدنيا، وهل هنالك عذاب أشد وأنكى من هذا العذاب، إن مكابرتهم وتعاليهم لعذاب شديد، وإن مواجهتهم لشعوبهم بهذه الروح المتوحشة التي لا تعرف الرحمة لعذاب شديد وإن قتلهم الأبرياء، وإهدارهم الدماء، واعتداءهم على الأعراض لأشد أنواع العذاب التي يعذبهم الله بها في الدنيا.
إنهم يعذبون أمام أعيننا مئات المرات، فالدنيا كلها تشهد على ظلمهم وطغيانهم، ومكابرتهم، وحشيتهم، وسوء أخلاقهم، وهل هنالك عذاب في الدنيا أشد من هذا العذاب.
ان الله يعذبهم في الدنيا بفضحهم، وكشف سوئهم، كما يعذبهم سبحانه بزيادة جرائمهم لأن كل قطرة دم يريقونها بغير حق تشتعل عليهم ناراً، هذا والله - يا صاحبي- هو العذاب الشديد في الدنيا أن يستزيد أولئك الطغاة من الجرائم، والآثام، من حيث يظنون أنهم يقومون ببطولة في المحافظة على النظام - ويالها من بطولات زائفة وهمية، ما هي في نظرنا جميعاً إلا هزائم موجعة تصيبهم، وتصيب أنظمتهم الظالمة الكاذبة الغاشمة في الصميم.
قال لي صاحبي: ولكنهم يقتلون آلاف الناس بغير حق.
قلت له: أما الذين يقتلون من الناس، فإنها اجالهم قد حانت ولامناص من موت الانسان في وقته الذي كتبه الله، لأن الله سبحانه وتعالى أخبرنا ان أجل الإنسان إذا حان لايمكن أن يتقدم أو يتأخر لحظة واحدة، وإننا مع ما نشعر به من الألم - لنسأل الله عز وجل أن يرحمهم ويغفر لهم، ويلهم أهلهم الصبر والسلوان، ويكتب لهم الشهادة، هذه مسألة محسومة في عقيدة المسلم الصحيحة التي تجعله مؤمناً بالقدر خيره وشره، وتجعل أمره كله خيراً، إن أصابته سراء شكر، فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيراً له، يا صاحبي إن القذافي - مثلاً - قد لاقى من عذاب الله الشديد في هذه الدنيا مالاقى طوال أكثر من أربعين سنة، ولكن الظلم، والقتل، والوهم القاتل الذي عاشه خلال ستة أشهر يعدل - والله - عذاب تلك السنوات كلها، هل تريد عذاباً أشد من هذا الذل الذي أصابه فأصبح يعيش الخوف والقلق والاختفاء طيلة هذه الأشهر المشحونة بالعذاب؟ وهل تريد عذاباً أشد من استمراره في انتهاك حرمات شعبه، ومن إهداره للدماء ظلماً وعدواناً؟ وهل تريد عذاباً أشد من هذا الشتات العائلي له ولأسرته وأولاده وزبانيته، شتات يشهده العالم كله، ويرضى به العالم كله، إن من أشد أنواع تعذيب الله للظالم في هذه الدنيا، أن يراه الناس ذليلاً حقيراً بعد أن كان متعالياً متكبراً، وأن يروه معذباً مشرداً ومع ذلك يفرحون بعذابه وتشريده ويدعون عليه.
إشارة: فانتظر عقباك في الدنيا ضياعاً
وانتظر عند إله العرش وعدك