لو تسنّى للمسرح السعودي الحديث فلن يبدأ قوله سوى بشكر عميق لرجل استفاقه من سباته وانتشله من حالة الضياع، وأعاد له وهجه وبريقه، وإذا ختمَ المسرح حديثه على رؤوس الملأ فسيقول إن هذا الرجل هو أبي، ولا أظنه إلا متحسفاً في نفس الوقت على ضياع أشقائه في بقية المدن السعودية، ليت للمسرح لساناً يكفيني عناء الكتابة، بعد أن فاقَ من مرقده منذ عشر سنوات.
هذا الرجل الذي أعاد المسرح السعودي لواجهة المشهد الثقافي والفني في السعودية هو الأمير الدكتور عبد العزيز بن محمد بن عياف أمين منطقة الرياض، الذي أراد للرياض أن تكمل بهجتها قبل عدة سنوات في الأعياد رغم أن الجميع كان غير متحمس للفكرة (وأنا منهم) لكن خطوته هذه لم تكن ارتجالية، بل كانت ذات عمق ثقافي وطني يأسر الألباب.
المسرح أبو الفنون، والرياض أم العواصم فكانت المعادلة ذات نجاح كبير تجاوزت (ربما) كل التوقعات، ولأنها باتت حقيقة فإن أمانة منطقة الرياض التي تسعى لأنسنة العاصمة مكاناً وبشراً هي تسعى أيضاً لوضع بصمة في ذاكرة الإنسان حين يأتي ذكر الرياض، فلا يمكن أن يختزلها الواحد منا في الأحياء والطرقات والبنيان، ونحوها.
إن للمسرح في قلوب السعوديين مكاناً محفوراً، وفي ذاكرتهم أيضاً، ولا تجد ممثلاً سعودياً إلا ويثني على خطوات الأمانة ويباركها ويرغب منها في المزيد، لقد أضاء لهم شمعة أمل في مكان كان يُفترض ألا ينام ولا يهدأ يوماً.
هذه المسرحيات التي تجاوزت ما كان متوقعاً، وزادت على ما كان مأمولاً دُفع من أجلها ملايين الريالات، وهي غير ربحية، وتسابقَ لها الجمهور من كل مكان حتى لأظن بأن الحاضرين للمسرحيات منذ بداياتها وحتى اليوم تجاوز مليوني شخص أسعدهم هذا المشروع.
هل قلت: مشروع.. نعم إنه مشروع كامل ومكتمل الأركان، وما تبقى عليه سوى إنشاء مسارح موزعة على أحياء الرياض لاحتضان هذه المسرحيات وغيرها من الفعاليات، وما أظن ذلك على الزملاء في الأمانة ببعيد.
المسرحيات التي عُرضت وما زالت (الرياض) تعلن عنها في جميع أيام السنة لم تنظر إلى فئاتها المستهدفة بعينٍ واحدة، بل شملت كافة شرائح المجتمع - رجالاً ونساء وأطفالاً - ومسرحيات أخرى لذوي الاحتياجات الخاصة، وسخَّرت لذلك إعلانات دورية في الصحف وفي كافة ميادين الرياض.
لا أعلم لماذا أظن بأنني لم أقل شيئاً جديداً في هذا الأمر، وأظنني سارداً للكلام الذي أيقنتموه منذ مدة، لكن ما أنا متأكد منه هو أننا في هذا المكان بالذات (قصّرنا) كثيراً تجاه هذا المشروع، وأُحمّل نفسي مسؤولية ذلك، في وقت كان الأولى بنا مجاراة الفكرة والحماس لها، وربما سوء التنسيق مع الزملاء في
الأمانة كان له الدور الأهم في هذه (العقيبة) ولا أقول عقبة.
لا أتحدث اليوم بلساني وحدي، ومثلما قلت أعلاه إنني لم آت بجديد، لكن كثر يثنون على الدور الذي تصدت له أمانة الرياض في تحريك الدم في مفاصل المسرح السعودي الذي كنّا نسميه (الرجل المريض)، وتحية أسوقها مثلما سُقتها سابقاً للرجال الذين فعلوا ما لم يفعله المعنيون بأبي الفنون.
هذه المساحة التي نخصصها اليوم أود أن أختصرها الآن بكلمة (شكراً)، في وقت أعترف بكل شجاعة أننا لم نكن في مستوى طموح العمل المسرحي، وهذا الاعتراف ليس تواضعاً مني بل هو حقيقة، حيث لم نتفاعل مع جهود الأمانة في تحريك المسرح، ولا أود أن أرمي بالمسؤولية على الآخرين من الزملاء في علاقات الأمانة حيث إننا نتفاجأ مثل الجمهور (أحياناً) بالعروض المسرحية.
m.alqahtani@al-jazirah.com.sa