عيدكم مبارك، وكل عام وأنتم بخير وسلام ومحبة..
لا يخفى عليك عزيزي القارئ أن من العبث أن تمنح الكاتب إجازة من الكتابة، لأنه لا يملك القدرة على التجرّد من متابعة الأوضاع السياسية والاجتماعية، ومجرّد أن يفعل ذلك، تجده يبدي رأيه، وربما انفعاله، مما يحدث، لكل المحيطين به، وهو يكبح نفسه عن الكتابة عمّا يحدث، كي يعود بعد الإجازة وهو أكثر صفاءً ونشاطاً.
قضيت الليالي أركض خلف القنوات، متتبعاً الثوار، ثوار طرابلس وهم يحررون المدينة من سطوة الديكتاتور، وهم يرفعون رايات الحرية بعد أكثر من أربعين عاماً، وهم يحاصرون منطقة باب المزرعة، والتصريحات هنا وهناك، والقصف الحي أثناء لقاء مباشر مع محمد القذافي، إلى حد أنني شعرت أن أوضاع ليبيا سحبت البساط من مسلسلات رمضان، فدراما الواقع أو الحقيقة أكثر جذباً وقلقاً من دراما الصورة والسيناريوهات الهزيلة.
ماذا عن الدراما الرمضانية، قد لا أكون صادقاً لو قلت أنني تابعت ما تبثه القنوات من مسلسلات سنوية، لكنني شاهدت بعضها، وتمنيت لو عمل البعض بهدوء وروية.. صحيح أن «طاش ما طاش» شعر بأنه أصيب بالشيخوخة، فلجأ إلى استقطاب الأرواح الشابة كي تخرجه من نمطيته، فاستدعى الكاتبتين منال العويبيل وضياء يوسف، وحتى لو لم يشترك في هذه الحلقات نجما المسلسل ناصر وعبدالله، إلا أنهما أجادا عملهما الإداري الاستشاري، ولعله يكتفي اكتشاف شخصية الممثل الشاب سعد الطلاس، وإعادة نجومية الممثل إبراهيم الحساوي، والممثلة مروة محمد، وكذلك وضع الكاتبة الشابة في طريق الألف ميل سيناريو. أما فايز المالكي فلعل الخطأ الفادح هو في الرسائل المباشر التي يلقيها هو أو زملاؤه الممثلون، وكلنا نعرف أن الفن حين يتورط في المباشرة يفقد جاذبيته، فاترك الرسالة تصل من خلال نسيج الدراما وأحداث الحلقة، لا من الرسائل الوعظية المباشرة التي أفقدت جمال معظم حلقات «سكتم بكتم».
ولا يوجد ممثل أشعر بالحسرة عليه، وعلى منجزه وثقافته، حين أراه على الشاشة، كما هو الممثل القدير راشد الشمراني، الذي لم يستطع أن يجد نفسه حتى هذا العمر، رغم قدراته وموهبته وثقافته، إلا أنه لم يستطع أن يحافظ على بداياته الرائعة، فهو أكبر وأرقى بكثير مما يسند إليه من أدوار هزيلة، تنقص من تاريخه ولا تزيده!.
وهو في نظري يشبه موهبة المخرج الشاب ثامر الصيخان، الذي أتمنى ألا يتخندق في مسلسله أم الحالة، هذا المسلسل الذي غاب العام الماضي، لكنه لم يأتِ بجديد، فلا تكفي المباغتة واللهجة الساخرة التي يتقنها أسعد الزهراني، لأنه لا قيمة لشيء ما لم يكن خلفه سيناريو مكتوب ببراعة.. الممثل الرائع والمخرج المتميز سيذهبان في النسيان ما لم يعثرا على سيناريو رائع ومتجدد.
لا أريد أن أعمل جرداً للدراما السعودية الرمضانية، لكنني كنت أجزم أن كثيراً من المشاهدين يشعر بالغصة أحياناً، حينما يرى خللاً في مشهد ما، في أداء ممثل ما، في سقطة مخرج ما، بعيداً عن الغضب الذي يبدو من البعض، حينما تصنع الدراما مشهداً جارحاً بصدقه، وهو يكشفنا ويعرينا أمام الغير، فهذا أمر مسلَّم به، لأن لو كان كل شيء عندنا تمام، لما احتجنا الدراما ولا الرواية ولا الشعر ولا المسرح، فالفنون والآداب تظهر حينما نعاني ونُستلب، لتقول كل شيء وتكشفه بقسوة أحياناً.