جيل ما قبل الثورات العربية بثلاثة عقود، تمثل لهم «المدرسة» منارة وهرماً ومرجعاً مهماً أكثر من جيل «البرجر» و»الهوت دوق المشوي»، والأخير لا علاقة له بالتغذية الصحية إطلاقاً، ففيها «أي المدرسة» تحصلنا على بعض الأمور الهامة لنا كصغار في السن غير العلم، جعلت ارتباطنا وولاءنا لها كبيراً ومنقطع النظير، بل فرضت تلك المرحلة للمعلم هيبة كبيرة في نفوس الطلاب تتجاوز هيبة الأب في المنزل.
عندما كان الانضباط في المدرسة «سمة مهمة» في حياة الطلاب, ليس بسبب العلم وحده، بل للمساعدات والمكملات والهبات الصحية والمفيدة، التي ترافق العملية التربوية «آنذاك».
فالطالب يزحف للمدرسة زحفاً حتى لو كان به «100 علة» لكي لا تفوته وجبة «التغذية الصحية» اليومية التي لا يعرفها إلا في المدرسة، كانت «صحية» وكافية ومنوعة وشهية، تبين أن المدرسة هي الأم الحاضنة لأبنائها بخلاف طلاب اليوم الذين يتحججون بالإرهاق كعذر كافٍ للتغيب عن المدرسة.
قديماً كان الطالب الصغير يعترف بالمدرسة «كشريك له» في حياته ففيها يستلم البدلة الرياضية «أم خطين» ذات الألوان الثلاثة «الأزرق والأخضر والأحمر» بالإضافة إلى «كنادر أم شراع وخيوط» والتي عادة ما تكون مقاساتها أكبر أو أصغر من القدم ومع ذلك «يمارس» الرياضة بحرفية ويسجل أهدافاً مع غبرة الملعب التي «تملأ» المكان، وكنا «عايشين» كطلاب نحب المدرسة ونحب المدرسين ونخاف من المدير ونتعلم وننجح..!
بخلاف المدارس الحديثة اليوم واعتمادها في العملية التربوية على الصرف من جيب الطالب وإجباره على البحث عن مصاريف الفسحة والمراجع وملابس الرياضة... إلخ من والده ووالدته مما جعل المدرسة تمثل همّاً ونزيفاً في عقل الطالب، وهو ما يدعونا للتفكير مجدداً في ربط الطالب بالمدرسة بغير العملية التربوية وأعتقد أن مجتمعات أخرى تعمل جاهدة الآن على ذلك.
فقد استقال هذا الأسبوع «عمدة» العاصمة الكورية الجنوبية «سيؤول», السياسي المحافظ «أوه سي هون» من منصبه بسبب خلاف حول برنامج لتقديم وجبات غذائية مجانية لجميع تلاميذ مدارس المدينة.
فهذا العجوز يريد إيقاف تنفيذ برنامج صرف وجبات مجانية لجميع تلاميذ المدارس في المدينة البالغ تعداد سكانها نحو «11 مليون» نسمة وذلك من خلال استفتاء لمواطني المدينة بسبب «الحسد والغيرة» لكون البرنامج قدم من الحزب الديمقراطي المعارض وأقره مجلس مدينة سيؤول، ومبرره رغم اقتناعه بالفكرة وجدواها للطلاب هو أن «الإنفاق المفرط على الرعاية الاجتماعية يُشكّل عبئاً مالياً كبيراً للأجيال القادمة».
أظن أنه يجب علينا إعادة بعض المميزات البسيطة التي كان الطالب يحصل عليها من المدرسة قبل نحو ثلاثة عقود والتي تجعله يشعر بانتمائه لها وعكست فائدة كبيرة في التنشئة والتربية.
وعلى دروب الخير نلتقي.
fahd.jleid@mbc.net