عيد الفطر، نسيجٌ وحده لا مثيل له بين أعياد العالمين أجمعين. عيد تتشابك فيه المشاعر المتناقضة، من ألم وفرح وحزن وسعادة وبهجة وملل، ثم تتمازج في مزيج روحاني بديع فيصير خلقاً آخر، فتبارك الله أحسن الخالقين.
عيد الفطر ليس كأعياد العالمين. فهو عيد تتفطّر قلوب أهله على فراق ما في فراقه سبب حلول عيدهم. عيدنا عيد روحي بالمكافآت الربانية الأخروية "وَللهِ أفضالٌ هناكَ ونِعْمَةٌ وبِرٌّ وإحْسَانٌ وجُودٌ ومَرْحَمُ". وعيدنا عيد فيه العطاء المادي بعد الحرمان والألم. عيدنا عيد تستشعر النفوس فيه معنى رجوع النعم بعد الحرمان. وعيد الفطر من بين أعياد العالمين تطول أيامه فكأنها الدهر أو هي الدهر، وأعياد العالمين قصيرة أيامها سريع انقضائها.
تلفت يا رعاك الله فانظر هناك في صحن البيت الحرام، وفي الخلوات في مساجد المسلمين وفي محاريب العُباد والعابدات، فكم والله ستسمع من أنفس تشهق من لوعة فقدان الشهر، وكم سترى أعين تهش بالبكاء تحسراً على انقضاء ليالي رمضان
"وللهِ أنفاسٌ يكادُ بِحَرِّها
يذوبُ المُحِبُّ المُسْتهَامُ المُتيَّم
فلمْ ترَ إلا باهِتًا مُتَحَيِّرًا
وآخرَ يُبْدِي شجوَهُ يَترَنَّمُ"
شرب الماء في صباح العيد وتناول الغداء في ظهيرته فيها ما فيها من معانى لذة الحصول على العطية والمنحة بعد الحرمان والعوز ما تعجز عنه عطايا الملوك ومنح الأمراء. لا عيد بين العالمين إلا عيدنا - نحن المسلمين- يُمنح فيه كل مسلم العطايا فلا فرق بين قريب أو بعيد. فعيدنا من صنع الله الذي أتقن كل شيء.
تقصر أيام وليالي أعياد الناس، ففيها بهجة دنيوية لا تماثلها مباهج دنياهم التي كانوا عليها قبل عيدهم. ومباهج عيد فطر المسلمين أعظم من مباهجهم. ففي عيدنا مباهج العطاء بعد الحرمان - ما لا يتوفر في أعياد الناس من غير المسلمين- وفيها من السرور باللقيا والاجتماع والتنزه والسفر كأعياد الناس، ولكن أنى وكيف تغلب بهجةٌ الدنيا بهجة الآخرة. وصدق الله {أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} لذا لا يخلو عيد فطر المسلمين من وحشة وملل. فعالم القرآن وحياة التقوى للعُباد في رمضان هي أقرب لحياة المتقين في البرزخ منها لحياتهم الدنيا. فكيف لا تطول أيام من أُبعد عنها ومُنع منها. ليست الليالي كالليالي مهما اجتهد العباد، كيف وفي ليالي رمضان وقد دنا جبار السموات والأرض منهم . فكيف لا يستوحش العُباد وقد ابتعدوا عن حياض الرحمن بعد أن اشتد قربهم منه حتى كادوا أن يروا الحياض رأي العين في العشر الأواخر،
"ويدْنُو بهِ الجبّارُ جَلَّ جلالُهُ..
يُباهِي بهمْ أمْلاكَه فهو أكرَمُ".
هذا هو المسكوت عنه في عيدنا عيد الفطر، فمن رأى العُباد ولهى، فأعلم أنني حكيت هنا بعض صبابة في قلوبهم أخفوها لكي لا يفسدوا على الناس عيدهم.
"وكمْ يَصْبِرُ المُشتاقُ عمَّن يُحِبُّهُ
وفِي قلبِهِ نارُ الأسَى تتضَرَّمُ"
hamzaalsalem@gmail.com