الرس - خليفة الخليفة
قال متابع للمناخ والتقلبات الجوية وأحوالها إننا أصبحنا نعيش تطرفاً مناخياً لم يسبق له مثيل في العصور الحديثة، وأضاف بأن التغيُّر المناخي أو التطرف المناخي أصبح هاجساً يشغل الكثير من الدول على مستوى الحكومات وهيئات الأرصاد والجمعيات المهتمة بالبيئة وصحة الإنسان، وذلك من خلال التحذير من الملوثات البيئية التي أخذت تظهر على السطح سواء في البيئة البحرية أو البيئة البرية.
وأشار الباحث المناخي صالح بن عبدالله في تحليل للظواهر الجوية، إلى أن مصدر اتجاهه لهذا التحليل ودافعه الأساس، أنه كان يراجع أرشيفه الخاص الذي يضم سجلاً لدرجات الحرارة على مدى ربع قرن من الزمن وتحديداً منذ عام 1404هـ، إذ تبيّن له أنّ العالم يعيش تطرفاً مناخياً غير مسبوق (في العصور الحديثة)، مع ارتفاع شديد في الحرارة صيفاً وانخفاضها الحاد في فصل الشتاء.
الموقف من النظريات المتضادة:
ومضى المحلل العبدالله يقول: إنه على سبيل المثال فإن درجة الحرارة صيفاً في حائل في الأعوام من 1404-1406هـ كانت ما بين 34 إلى 37 فقط ،ولم تسجل فوق 40 إلاّ أياماً معدودة، وقس على ذلك باقي مدن المملكة، وفي صيف عام 1419هـ وبعدها من السنوات تغيّر الحال تماماً حيث أصبحنا نسجل درجات حرارة عظمى قياسية كل سنة وتغير الوضع تماماً في حائل، فأصبحت تسجل الحرارة أكثر من 44 وقد تصل إلى 47 لمدة أسابيع، وفي القصيم والرياض تسجل الحرارة فوق 48 بعد أن كانت لا تزيد عن 43 وأصبح نجم سهيل شديد الحرارة بعد أن كانت الحرارة تنكسر وتنخفض بشكل كبير عند دخول نجم سيهل والذي يوافق 24 أغسطس.
وأضاف: أما بالنسبة للشتاء فقد كان الشتاء من عام 1404هـ حتى عام 1426هـ شتاء عادياً عدا عام 1409هـ حيث كان بارداً جداً وانخفضت فيه الحرارة إلى 12 درجة تحت الصفر وماتت الكثير من الأشجار والطيور والحيوانات في تلك السنة.
وأوضح: أيضا لا ننسى عام 1428هـ -1429هـ حيث تأثرت أجواء المملكة بشتاء شديد البرودة لم يحدث له مثيل منذ سنوات طويلة، وانخفضت الحرارة إلى 16 درجة تحت الصفر، وتراكمت الثلوج على جبال تبوك الشمالية وماتت من هذه الموجة الكثير من النخيل وبعض البشر، وأعتقد أن الكل يذكر هذا الشتاء القارس، فالأشجار أصبحت تموت عندنا في الصيف من شدة الحرارة وتموت في الشتاء من شدة البرودة أليس هذا تطرفاً مناخياً.
وقال: من خلال ما سبق نستطيع أن نخرج بتساؤل وهو ما موقفنا من أصحاب النظريات المتضادة، فالنظرية الأولى تقول أن هناك احتباساً حرارياً وارتفاع في درجة حرارة الأرض، وهذا فعلا ما لاحظناه في السنوات العشر الماضية من خلال تسجيل درجات حرارة عالية في الصيف، والنظرية الثانية تقول إن هناك زحف جليدي قادم وبرودة ملموسة قادمة لسطح الأرض، وهذا ما لاحظناه في برودة الشتاء لعام 1409-1417-1420-1429هـ.
وقال: ومن خلال ما لمسته في العشر سنوات الماضية يتضح لنا أن الغبار أصبح هو سيد الموقف في كثير من الحالات الجوية فمثلا عام 1403هـ لم أسجل إلا 8 أيام غبار فقط وعام 1405هـ 11يوم غبار واحد، وعام 1413هـ لم أسجل إلا 5 أيام غبار فقط بينما في عام 1419هـ سجلت 32 يوم غبار وعام 1429هـ سجلت 41 يوم غبار وفي عام 1428سجلت 82 يوم غبار في عام 1429هـ سجلت 76 يوم غبار في عام 1430هـ سجلت 71 يوم غبار..
وتساءل: أليس هذا يدل على وجود تطرف وتغير مناخي في أجوائنا.
تذبذب نسبة الأمطار
ومن حيث التطرف المناخي فيما يتصل بالأمطار قال: كانت بيشة ورنية والخرمة ونجران واحات غناء في فصل الصيف بسبب كثرة الأمطار الربيعية، ولكنها أصبحت في السنوات العشر الماضية تعيش في جفاف، عدا هذا العام فقد تحسنت الأحوال وشهدت هذه المناطق أمطارا مقدرة في فصل الربيع من عام 1431هـ، كما تعرضت عسير أيضا لجفاف لافت من عام 1420هـ وماتت أشجار العرعر وجفت الأودية التي كانت أنهارا رقراقة في كثير من بلاد عسير والباحة، ولكن هذا العام شهدت تحسنا ملموسا في وفرة الأمطار والغطاء النباتي.
ويقول: وبالنسبة لمدينة الرياض وما حولها فقد كانت تتعرض لأمطار غزيرة في فصل الربيع خاصة في شهري مارس وإبريل ولكن من عام 1416هـ ضعفت الأمطار على الرياض بشكل ظاهر خاصة في الربيع، وأذكر أنه في أعوام 1403و 1405و1406كنا نذهب للطائف في شهر يوليو وقبل الطائف بحوالي مائة كيلو كان يستقبلنا الضباب وبعد وصولنا للطائف نجد أثر الأمطار اليومية ظاهرة في الطبيعة، لكن شاهدوا الطائف الآن مع العلم أن الوضع تحسن هذا العام.
بينما كانت الأمطار الربيعية في عسير شبه منعدمة من عام 1419، إلا أن عسير شهدت هذا العام أمطارا ربيعية معتبرة.
مقدمات لتغيّرات قادمة
وخلص إلى القول: إذن هناك تغيرات مناخية قادمة ولها مقدمات ومن هذه المقدمات حسب ما أرى:
- كثرة الفيضانات في مناطق لم تعهد هذه الأمطار بهذه القوة
- ذوبان الجليد في كثير من مناطق العالم.
- التصحر الشديد لبعض المناطق التي تعد من الغابات.
- سخونة المحيطات وكثرة الأعاصير في الآونة الأخيرة.
وقال: أما ما حصل في مناطقنا العربية التي تدل على وجود تغيّر مناخي فمنها:
- أمطار حلب الفيضانية في عام 1429 والتي قالت عنها الأرصاد السورية أنها لم تحصل مثلها من بداية تسجيل الأرصاد للحوادث المطيرة.
- أمطار تونس الغزيرة والتي تلتها بشهر فقط والتي لم تحصل من 90 عاما حسب مصلحة الأرصاد التونسية.
- فيضانات المغرب الهائلة عام1429هـ.
- فيضانات تركيا التي حصلت عام 1430هـ وقالت الأرصاد التركية أنها لم تحدث منذ أكثر من 240 سنة حسب الأرصاد.
- غبار بحر قزوين في إيران وحصل عام 1430هـ ووصفته الأرصاد الإيرانية بأنه كارثة بيئية لم تحدث في تاريخ الأرصاد في هذه المنطقة بالذات الغنية بالأمطار والغابات.
- أيضا لا ننسى الأمطار القوية التي هطلت على المنطقة الوسطى عام 1429هـ وجرى منها وادي الرمة حيث حدثت فيضانات محلية وقبل ذلك لا ننس أمطار جدة الغزيرة.
- أيضا نلاحظ في السنوات الأخيرة أن السحب تأخذ طابع القوة وتكون مصحوبة ببرد كبير الحجم لم نعهد مثله من قبل.
- كذلك ما حصل العام 1431هـ في باكستان من فيضانات عنيفة لم تحصل من عشرات السنين مما ينذر بحصول كارثة إنسانية في هذا البلد ذو الكثافة السكانية العالية.
وقال: أعتقد أن هذه الأمور من ضمن التغيرات التي حصلت في الطقس في السنوات الأخيرة.
خطط للتعامل مع المتغيرات
أقترح بعض الخطط المستقبلية للتعامل مع التغيرات المناخية:
أولاً: يجب تأسيس منظمة دولية مستقلة وتدعمها الحكومات لحماية البيئة من الإفساد البشري ويتم سن قوانين صارمة لمن يعبث بالبيئة.
ثانياً: يجب على مصلحة الأرصاد أن تبث الوعي البيئي بين طبقات المجتمع من خلال المحافظة على الأنظمة البيئية والتي لها علاقة بالمناخ.
ثالثاً: وجود قناة رسمية تتبناها مصلحة الأرصاد وتكون خاصة في الطقس وتحذير الناس على مدار الساعة من أي تغير أو اضطراب في عناصر الطقس والتحذير من العواصف الرملية والرعدية المتوقعة بحيث يتم تقسيم المملكة إلى عدة مناطق وكل منطقة لها تحذيرات خاصة حتى يسهل حصر المناطق التي سوف تتعرض لتغير في الطقس.
رابعاً: وجود هاتف مجاني يتبع الأرصاد بحيث يكون خاص لبلاغات المواطنين عن أي جديد أو تغير يحصل في الطقس سواء موجات غبار شديدة أو أمطار جارفة، وإرسال رسائل تحذيرية من قبل الأرصاد على جوالات المواطنين حتى يتم نشر الوعي بين كافة أفراد المجتمع.
خامساً: وزارة الصحة يجب أن يكون لها رسالة توعوية للمواطنين وذلك من خلال إصدار النشرات الطبية التي تحذر من التغيرات المناخية اليومية المفاجئة كالغبار وموجات البرد والحر والتحذير من عواقب هذه التغيرات خاصة لمرضى الربو والحساسية.
سادساً: فتح موقع الأرصاد الإلكتروني لكافة المواطنين وتمكينهم من الإطلاع على آخر المستجدات للتغيرات المناخية وكذلك الإطلاع على صور الأقمار الصناعية وكذلك الرادارات التي أصبح لها أهمية قصوى في الفترة الأخيرة خاصة للمسافرين على الطرق الطويلة.
سابعاً: شركة الكهرباء يجب أن تكون مستعدة لمواجهة أي طارئ سببه التغير المناخي فارتفاع الحرارة الشديد يوقع الشركة في حرج كبير مع المشتركين بسبب زيادة الأحمال التي لم تأخذها الشركة بالحسبان مع دخول فصل الصيف.
ثامناً: إصدار نشرات توعوية لطلاب المدارس يوضح فيها كيفية التصرف الصحيح عند حدوث تغير مفاجئ في الطقس كالعواصف الرعدية والأمطار وموجات الغبار، ويكون الدفاع المدني مسؤولاً عن النشرات.
تاسعاً: يجب إعادة النظر في كيفية تخطيط المدن وذلك لتلافي ما حصل من كوارث مثل كارثة جدة التي حدثت بسبب أخطاء بشرية وسوء في التخطيط.
الآثار المتوقّعة من المتغيّرات
وعن الآثار المتوقعة للتغيرات المناخية قال:أولا: الآثار الاقتصادية: لا شك أن أي دولة تتعرض لتغير مناخي فسوف ينعكس ذلك عليها اقتصاديا لأن المناخ يتحكم في كثير من الأمور التي لها علاقة في نهضة الدول ورقيها فالمصانع سوف تتأثر سلباً بسبب تأثر الأجهزة الإلكترونية التي تدير هذه المصانع خاصة في حالة العواصف الرملية الشديدة أو موجات الحر الشديدة والتي تؤثر بشكل مباشر على هذه الأجهزة، كما أن رحلات الطيران سوف تتأثر سلبا بهذه التغيرات المناخية المفاجئة، كما أنه في حال حصول تغير مناخي كأمطار غزيرة جارفة غير معهودة أو أعاصير مدمرة فلا شك أن الخسائر ستكون هائلة سواء على مستوى أجهزة الدولة أو ممتلكات المواطنين، كما تتأثر الشركات الخدمية والتي لها علاقة بخدمة الناس كالكهرباء مثلا سوف تتأثر سلبا بارتفاع الحرارة القياسي والذي يشهده فصل الصيف في بعض السنوات، كذلك الطرق قد تتعرض لتشققات وتلفيات بسبب الارتفاع والانخفاض المفاجئ في درجة الحرارة، ونلاحظ أيضا أن الكثير من الطرق تتعرض للجرف والإزالة بسبب الأودية الجارفة التي تقطع هذه الطرق، كما يتأثر أيضا الإنتاج الحيواني والنباتي بهذه التغيرات المناخية بسبب موت الكثير من المزروعات والحيوانات بسبب الارتفاع القوي أو الانخفاض القوي في درجة الحرارة ولا ننس ما حصل من موت للنخيل بسبب موجة البرد الشديدة التي حصلت عام 1428-1429هـ.
ثانياً: الآثار الاجتماعية:
لا شك أن أهم عامل يؤثر في حياة الإنسان ومعيشته وهو المناخ لذلك نلاحظ أن أغلب التجمعات البشرية في العالم تجدها في المناطق ذات المناخ المعتدل والمناسب للحياة بينما نلاحظ قلة في التجمعات السكانية في المناطق التي تتميز بمناخ صحراوي جاف بسبب صعوبة التكيف مع الظروف المناخية القاسية لذلك فتغير المناخ سوف يؤثر على حياة الناس وتنقلاتهم من مكان لآخر وعلى ممارسة أعمالهم اليومية بكل يسر سهولة.
ثالثا: الآثار الإنتاجية:
إنتاج البشر في كافة الكرة الأرضية مرتبط ارتباطا وثيقا بطبيعة المناخ فسكان المناطق المعتدلة يختلفون عن سكان المناطق الحارة من حيث وفرة الإنتاج وأيضا سكان المناطق التي تتميز بهدوء في العناصر المناخية يختلفون في معيشتهم وعاداتهم عن المناطق التي تتعرض لتغيرات مناخية مفاجئة وقاسية، فعلى سبيل المثال يعاني سكان المناطق الساحلية الواقعة بين مدينة الليث وجازان من عواصف رملية يومية في فصل الصيف تستمر لأكثر من شهرين وهذا قد أثر كثيرا على حياتهم الإنتاجية بسبب لزومهم المساكن أغلب فترات النهار.
وعن التصور المقترح للتغلب على تلك الآثار المتوقعة يورد النقاط التالية:
- تكاتف الجهود الدولية للحد من الآثار المترتبة للتغير المناخي.
- وضع ميزانيات حكومية للتخفيف من تلك الآثار المتوقعة.
- قيام مصلحة الأرصاد وحماية البيئة بواجبها من حيث الحفاظ على البيئة وعدم تلوثها والعبث بكل ما هو مفسد لبيئة صحية نقية.
- الاهتمام بالشجرة والإكثار من غرسها سواء في الأودية أو مداخل المدن أو الصحاري القريبة من المدن وذلك لما للشجرة من فوائد كثيرة من حيث تلطيف الجو وتنقية الهواء وتثبيت التربة وحمايتها من الانجراف.
- عدم البناء بالقرب من الأودية ومجاري السيول مع الاهتمام بتنظيف هذه الأودية كي تجري فيها مياه السيول بكل انسيابية.
- الابتعاد بقدر الإمكان عن الأماكن المنخفضة والتي قد تتعرض لتجمع مياه السيول حتى لا تقع كوارث إنسانية لا قدر الله خاصة المناطق والمدن الساحلية.
وعن التطرف المناخي في العراق وأثره السلبي على مناخنا يقول: منطقة الهلال الخصيب.. لا أحد يخفي عليه هذا الاسم خصوصا المهتمين بعلم المناخ فمنطقة الهلال الخصيب هي المنطقة الواقعة بين الشام وإيران والجزيرة العربية وأكثرها يقع في دولة العراق وسميت بالهلال الخصيب نظرا لأن هذه المنطقة كانت في العصور القديمة غنية بالثروات الزراعية لما تتمتع به من مناخ معتدل وأراضي خصبة ومياه غزيرة، وفي السنوات العشر الأخيرة تغيرت هذه المنطقة تغيرا جذريا فأصبحت تصدر لنا موجات الغبار بسبب التصحر الذي حصل فيها، فانحسرت الأنهار وجفت الينابيع وأصبحت التربة غير صالحة للزراعة وبدأت تتعرض العراق لعواصف رملية شديدة لم تعهدها سابقا بسبب تفكك التربة وعدم ملاءمتها للزراعة وإهمال الناس للأرض بسبب الظروف السياسية والاقتصادية والعسكرية التي مرت على العراق. ومعلوم أن الرياح السائدة في الجزيرة العربية في أغلب الشهور هي الرياح الشمالية الشرقية فبدأت هذه الرياح تنقل لنا عواصف الغبار التي تتعرض لها دولة العراق لذلك لابد من تكاتف جهود الدول المجاورة للمحافظة على ما تبقى من البنية التحتية لهذه الدولة حتى لا يزداد الأمر سوء مع تقدم السنين وتغير المناخ مع الحرص على استصلاح الأراضي الزراعية وزراعة الأشجار في المناطق التي تعاني من تصحر وتفكك للتربة.