رفضت وزارة العدل الأميركية صفقة استحواذ شركة الاتصالات الأمريكية «أيه تي أند تي at&t» على شركة الهاتف المحمول «تي موبايل T»؛ الفرع الأميركي لشركة «دويتشه تيليكوم» الألمانية؛ والتي قُدِرت قيمتها بـ 39 مليار دولار.
أشارت الوزارة في حيثيات رفضها، إلى أن صفقة الاستحواذ «ستضر بحرية المنافسة في السوق»، وأن عملية الدمج ستؤدي إلى زيادة أسعار خدمات الهاتف المحمول، وستحد من الخيارات المتاحة أمام المستخدمين، وستؤثر سلباً على جودة الخدمة.
المنافسة العادلة تؤدي إلى تحسين الخدمة، وخفض الأسعار، بما يحقق العدالة والمصلحة لأطراف العلاقة التجارية، وما حدث في قطاع الاتصالات السعودية بعد دخول شركة «موبايلي» السوق، يُثبت، وبما لا يدع مجالاً للشك، صحة ذلك؛ فرسوم الخدمة، وأسعار الاتصال وصلت القاع، في الوقت الذي تطورت فيه الخدمة وتنوعت، وتحسنت جودتها، واستمرت شركات الاتصالات تحقيق أرباحاً استثنائية برغم المنافسة الشديدة.. التطور الكبير، وجودة الخدمة، وتنوعها!.
ما حدث في سوق الاتصالات يمكن تطبيقه في سوق الطيران الداخلي، وهي السوق التي تعاني تأزماً حقيقياً في جودة الخدمة، توفرها، وكفاءتها، ما أثر سلباً على المواطنين، وسمعة المملكة في الخارج، وتسبب في أزمات حادة في موسمي الحج والعمرة؛ فتح السوق أمام شركات الطيران الأخرى، الخليجية على وجه الخصوص، وتحقيق أسس المنافسه العادلة سيقود إلى تحسين الخدمة، وإتاحة خيارات متنوعه أمام المسافرين، وإنهاء أزمة النقل الجوي الداخلي، وسيساعد الخطوط السعودية على تطوير خدماتها، وتحسين ربحيتها على المدى المتوسط والبعيد، إضافة إلى ما سيحققه من فائدة في جانب توفير النفقات الحكومية المخصصة لدعم الشركة وتعويض خسائرها، وتحقيق دخل إضافي من خلال الرسوم المباشرة على شركات الطيران، ورسوم المطارات. لا أجد سببا مقنعا لتحفظ الجهات المسؤولة على فتح سوق الطيران الداخلي للشركات الخليجية، وفق شروط تضمن تطوير قطاع النقل الجوي، وإنهاء أزماته المزمنة، تقديم الخدمة المتميزة، ضمان تشغيل المطارات المحلية على أسس تجارية، وتحقيق الأرباح المجزية للجميع. إنشاء شراكة بين الخطوط السعودية وشركات طيران خليجية موجهة للنقل الداخلي من خلال شركة مستقلة، أو صيغة أخرى للشراكة الإستراتيجية، ربما كان خياراً مناسباً في الفترة الحالية، واعتبارها فترة انتقالية وممهدة لفتح السوق أو إنشاء شركات خليجية مشتركة تتخصص في النقل الجوي الداخلي، وعلى أسس اقتصادية.
الاحتكار يقود دائماً إلى «النُدرة»، وقتل الإبداع والحد من التوسع الخدمي، تدهور الجودة، وارتفاع الأسعار، حتى وإن تدخلت الحكومة في التسعير، فمع مرور الوقت يجد المستهلك نفسه يدفع قيمة أعلى من المنفعة التي يحصل عليها من المنتج، أو الخدمة؛ فالإحتكار لا يساعد أبداً على التطوير، ومواكبة المتغيرات العالمية، بل يؤدي إلى حدوث التخلف الخدمي، والإنتاجي المُقترن بغلاء الأسعار.
الاحتكار؛ أياً كان مصدره؛ سبب من أسباب الجمود الذي أُبتُلي به الاقتصاد المحلي، في قطاعاته المختلفة، ففلسفة السيطرة والاستحواذ حرمت الاقتصاد الوطني من مساحات رحبة من النمو والتطوير، وحرمت المجتمع من الخدمات المتميزة، والرقي، والجودة التي يستحقها، وحرمت المحتكرين أنفسهم من تطوير كفاءاتهم ومواكبة التغير العالمي، واللحاق بركب المنافسين؛ الأمر الذي قد يعرضهم مستقبلاً لخسارة إمبراطورياتهم الهشة القائمة على قواعد الحماية والدعم والاحتكار. نحن في حاجة ماسة إلى تبني فلسفة وزارة العدل الأميركية الرافضة للاحتكار، والداعمة للمنافسة العادلة، وبما يحقق الجودة، الكفاءة، والأسعار العادلة؛ خدمة لقطاعاتنا الاقتصادية التي ما زال بعضها في طور الحضانة رغم مرور أكثر من 60 عاماً على إنشائها!.
f.albuainain@hotmail.com