يختلف الناس في شخصياتهم التي يبدون عليها اختلافًا كبيرًا، وأقصد بالشخصية محصلة القدرات العقلية والاستيعابية والتعبيرية والثقافية والهيئة والهندام والتصرفات، فمن الناس من يحوز القبول بشخصيته ولديه حضور في مجتمع يميزه ويستحثه لذلك الحضور ومن الناس من ينفر منه الأقربون وبين هذا وذاك طيف عريض من الشخصيات المحبوبة والممقوتة. هذا التوضيح لا يحتاج لإسهاب ولكن بين هؤلاء صنف ثالث، هو ذلك الذي يعي معطيات شخصيته بصورة لا يراها الآخرون بالضرورة ثم يجتهد في طمسها وتمثيل معطيات أخرى يريد بها خلق شخصية أكثر قبولا مما يخفي، وبين هؤلاء أيضا طيف ممن يتقنون صنع الشخصية البديلة ومن يفتقدون لذلك.
يدعي علماء النفس أن الإنسان يكوّن شخصيته في مرحلة مبكرة من العمر نتيجة لعملية التعديل المستمرة لمكونات الشخصية ويحدث ذلك بصورة غير واعية، فالطفل الذي يحقق مراده بالحيل تتأصل لديه قيم تجعله مراوغًا في علاقاته عندما يكبر، والطفل الذي يربى على الاكتساب بمقابل تتأصل لديه قيم تجعله يعتمد على الإنجاز لتحقيق مبتغاه، وعندما يشعر الطفل في الصغر أنه دميم الهيئة يميل إلى توظيف تلك الدمامة في اكتساب التميز، أو يحاول أن يخفيها بالتركيز على إبراز مكونات أخرى، وهكذا يكوّن الطفل شخصيته مع النمو ثم يختار الكيفية التي يوظف بها تلك الشخصية في التعامل الاجتماعي والحياتي، ويدعي علماء النفس أن الإنسان في مرحلة من عمره قد تكون متقدمة في الطفولة أوعند البلوغ يدرك مدى القبول لشخصيته ضمن المجتمع وبناء على طموحه يحدد مدى قبوله الذاتي لتلك الشخصية ومدى قدرته على توظيفها في اكتساب القبول من المجتمع. وحيث إن كثيرًا من مكونات الشخصية تتطور مع النمو بصورة قسرية، فإن قدرة الإنسان على تعديل تلك المكونات تكاد تكون مستحيلة، لذا وعندما لا يشعر الإنسان بقبوله شخصيته الحقيقية يميل وبصورة لا إرادية لتشكيل شخصية أخرى تمثل له الشخصية المثالية التي تكسبه القبول الاجتماعي والتي يرى أنها تخدمه بصورة أفضل في الاكتساب المعيشي، ويحدد سمات هذه الشخصية أيضا بصورة لا إرادية ثم يعمد لتمثيلها وبقدر ما يكون كبر الفارق بين الشخصية الحقيقة والشخصية الممثلة، يرهق الإنسان نفسه في تمثيل الشخصية البديلة، حتى إن معظم حالات انفصام الشخصية تحدث نتيجة للميول الشديد الذي يبديه العقل الباطني للشخصية البديلة.
كثير من الناس يمارس تمثيل الشخصية البديلة ومنهم من يشعر بذلك التمثيل فيسيطر عليه أو يحاول أن تكون شخصيته البديلة متماهية مع شخصيته الحقيقية فلا يكاد الفارق واضحًا ويكون ذلك في تبني عدد من الممارسات التي يمكن أن تكون في قوالب تطوير الذات، ومن الناس من لا يشعر بذلك التمثيل أو أنه لا يشعر بملاحظة الآخرين ذلك التمثيل، وبالتالي ربما يفقد القبول بشخصيته الممثلة أكثر من لو مارس شخصيته الحقيقية، ولا شك في أن الثروة والسلطة تستثمر في تمثيل الشخصية البديلة بصورة تعزز من الاكتساب الاجتماعي. فكثير من البذخ مدفوع برغبة في إبراز الشخصية البديلة وتمكينها، وكذلك ممارسة النفوذ واكتساب الجاه والحضوة عند ذوي المراتب الاجتماعية العليا. والحديث عن ذلك كلما سنحت الفرصة. وكثير من الممارسات التي نراها مقبولة كالهندم واقتناء الممتلكات من منازل وسيارات ومجوهرات وملبوسات هي أدوات لتعزيز الشخصية البديلة وتكريسها، ولكن هناك أيضا ممارسات غريبة ومثيرة للنقد مثل عمليات تغيير الهيئة وعمليات التجميل أو لبس ملابس غريبة أو مثيرة أو التصرف على نحو مثير في الحياة. وأكثر التصرفات ملاحظة ونقداً عند الناس تلك التي تكون موجهة بصورة ساذجة لخلق انطباع سريع لدى شخص أو اشخاص مثل إبراز المقتنيات بصورة ملفتة للانتباه كالسيارات الفارهة في شوارع مدن أجنبية والوقوف في مواقف ممنوعة، أو الحديث عن الذات والإنجازات الشخصية أو استثارة المديح من شخص آخر في مجتمع من الناس أو التصرف على نحو مبالغ فيه كالاحترام والتقدير الفائق لشخص آخر في وجود مشاهدين، أو حث شخص آخر على ذلك كالابن لأبيه.
في مجتمعنا السعودي يلاحظ كثرة تمثيل الشخصية البديلة، وذلك فيما أعتقد راجع للاختلال القيمي في المجتمع نتيجة للتغير السريع والانتقال من مجتمع ما قبل الطفرة الذي كان محدود الموارد متجانس القيم مترابط العلاقات الاجتماعية إلى مجتمع الحاضر والذي يتميز بتكون العلاقات الاجتماعية على أسس جديدة تعتمد على القدرة التأثيرية في الاكتساب الحياتي وانفراط التجانس الفكري والمعيشي. هذا التمثيل للشخصية البديلة ساهم ويساهم في تشكيل سمات المجتمع السعودي الحديث وهو ما سيجلب تحديات جمة لمؤسسات الإنتاج الاقتصادي بصورة خاصة فكثير من عوائق توظيف المواطنين وضعف المخرجات التعليمية وتعقد الروتين ونمو البيروقراطية الحكومية ماهي إلا إفرازات لمحصلة تمثيل الشخصية الجمعي، لذا لا أدري كيف يمكن تدارك ذلك الخلل وإصلاحه؟
mindsbeat@mail.com