قبل خمسين عاماً تفتق ذهن ثلاثة من قادة الدول النامية هي الهند ويوغسلافيا ومصر عن فكرة أريد لها أن تجنب البشرية حالة الحروب والقلق، وأن ينتشر السلام والتنمية بدلاً من الدمار.
وهكذا التقى جواهر لال نهرو، وجوزيف تيتو، وجمال عبدالناصر، ثم انضم إليهم فيما بعد أحمد سوكارنو رئيس جمهورية إندونيسيا وأطلقوا فكرة عدم الانحياز، وإذا كان العالم في ذلك الحين تتجاذبه قوتان دوليتان، إحداهما تضم الدول الرأسمالية وتشمل كل الدول الغربية وأخرى تضم الدول الاشتراكية وتشمل دول شرق أوروبا، ولهذا فقد كان أساس فكرة عدم الانحياز هو عدم الميل أو الانحياز إلى أي من القوتين المتصارعتين، لتنبثق كتلة ثالثة ضمت دول عدم الانحياز، وتظهر حركة عدم الانحياز لتضم معظم الدول النامية التي كانت خارجة للتو من رقبة الاستعمار وتحتاج إلى جهود جبارة لتحقيق التنمية بعيداً عن التورط في الحروب ومشاكل الصراع والتوتر بين الغرب والشرق.
كان كرازيميا تيتو ونهرو وعبدالناصر وحتى سوكارنو وقوداً أعطى قوةً للحركة الدولية الناشئة التي أصبحت خاصة في بدايتها حركة مؤثرة واستطاعت أن تكون ذات تأثير على القرار الدولي، وإن كانت ذات علاقات مع القوتين العظميين الأخريين، أمريكا والاتحاد السوفياتي الذي استطاع النفاذ إلى الدول القيادية للحركة من خلال دعم برامج التنمية والتسلح وخاصة في مصر ويوغسلافيا وإندونيسيا ودول أمريكا اللاتينية، وهذا ما أضعف مصداقية حركة عدم الانحياز بسبب قربها إلى السياسة الاشتراكية وظهر انحيازها للشرق أكثر عندما تولى رئاستها دول نظمها اشتراكية ومعادية لأمريكا مثل كوبا ويوغسلافيا.
وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي وتفكك الكتلة الشرقية أضعف دور حركة دول عدم الانحياز التي أصبحت اجتماعاتها ومؤتمرات القمة التي تعقدها أشبه باحتفالات برتكولية لا تعني سوى إثبات الحضور، كالمؤتمر الذي يعقد الآن في بلجراد عاصمة صربيا وريثة يوغسلافيا في الذكرى الخمسين لإنشاء الحركة.