(الحرب مجزرة بين أناس لايعرفون بعضهم من أجل أهداف أناس يعرفون بعضهم ولكن لايتقاتلون فيما بينهم) بول فاليري لطالما وُصفت الحرب في بدايتها بالغانية الجميلة الجذابة بغويتها التي تُخدر العقل مستحوذةً الأنظار المشدوهة إفتتاناً بها،غير أن رحاها حينما تطحن المتقاتلين ينكشف وجهها الحقيقي كعجوز شمطاء يرتسم القبح والرداءة في ملامحها الشيطانية الموغلة في البشاعة. وربما كانت الحروب الأهلية هي الأكثر إستعصاء على مفارقة الذاكرة الجمعية -المشكلة للهوية الثقافية للمجتمع فيما بعد- للشعب المتصارع فيما بين مكوناته التي إنهارت نتيجة صراعات السلطة والنفوذ والتي تتحرك نتيجة ضعف وتداعي النظام السياسي المتحجر والمتعارض مع منطق الزمن وقوانين التاريخ حيث التغير والتحول هوالثابت الوحيد، (وتلك الأيام نداولها بين الناس).
ولن تكون المأساة متجسدة فيما عمه الخراب والهدم من البنيان والذي نشأ وتكون خلال عقود وسنين وإنعدام النظام وفقدان موارد الرزق فحسب، بل الاسوأ هو مايصيب النفس الإنسانية من تشوه بفعل سريالية مشهد الموت المتخبط بعبثية تُفقد العقل توازنه فتضطرب القيم والمعتقدات التي قد تختل وتتبدل، فيسقط القتلى بلا ثمن ويغدون أرقاماً في نشرات الأخبار وتقارير المراسلين،فتتجرد كرامة واّدمية الانسان من معناها وهي الهبة الإلهية التي ُخص بها الانسان وفضلته على كثير من خلق الله (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) في الحرب كما السياسة لاوجود للأخلاق ولا اعتبار للقيم، حيث تسود غريزة البقاء وتزداد الرغبة في التشبث بالحياة مهما كلف الأمر وكان المقابل، فراراً من أخطبوط الفناء المتوحش بنْهم يقتلع حياة الأبرياء من جذورها فتغرب الّامال لتُعتم اّلألام وتعمى البصائر في غمرة بحثها عن الحقيقة الغائبة أوحتى شئ منها (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).