تبدأ الحياة من مدخل يتخلله ممر واسع يتفرع إلى غرف ستة، أحدها صالة للاجتماع العائلي.. والأخرى مجرد مطبخ صغير لا يغني من الجوع شيئا.
في غرفة أبي سالم تصطف الكتب بهدوء ينتظر كل منها دوره لتقابل حنان عينيه من خلف زجاج نظارته.
تشترك معهم شمعة براقة اختارها على الأنوار كي تمتص ما خلفه يومه من طاقة سلبية.. تهمه تلك الكتب كثيراً فهو لا يستخدمها للقراءة فحسب، بل إنه يخبئ بين صفحاتها أوراق حياته ومستقبل أبنائه.. يعالج يومه خارج تلك الغرفة برسمية قاتمة، وبحديث مدروس يصافح به أذهان أبنائه..
غرفة أبي سالم هادئة حتى إنها بهذا الهدوء لا تزعج غرفة سالم المجاورة لها والتي تخبئ من خلف الباب أفكاراً وهواجس...
لا يزال حاسوبه الآلي يعمل منذ ثلاثة أشهر، كلما أعياه التعب أرسله إلى أقرب مصحة لتبديل بعض قطعه التالفة إلى قطع أخرى جديدة، ثم يعاود العمل الدءوب عليه في ابتكار آخر البرامج وتطوير المواقع الإنترنتية ولا يخلو الأمر من التهكير.
الذي يعطي رائحة نتنة تلوث أعماله الناهضة...
فاز بأفضل ابتكار في مسابقة طرحها أحد الأمراء، جعلت منه شهرة لا تضاهى..
في حين أنه قام بتهكير أحد مواقع ذلك الأمير يوما...
مسافة ليست بالبعيدة تفصل مابين هاتين الغرفتين حتى تنحدر بنا إلى تلك الزاوية تنتهي إلى غرفة هديل وما يجاورها غرفة وئام..
عند هديل حلم واسع يعبئ طفولتها الندية، فالدمى تنتشر في كل مكان، وشيء من علب الماكياج التي أخذتها خفية من غرفة والدتها، تخبئها تحت الوسادة... ولا تزال آثار هذه الخدعة ملحوظة على وجهها البريء.. تسمع حديث الكبار فلا تفهمه لكنها تعود إلى الدمى لتحاول فهم مالم تفهمه.
غرفة وئام فيها كانت تلك المرآة هي الأصدق حديثاً بعالمها، والمزهرية التي تتلقف زهرة واحدة فقط نصبتها على نافذة الغرفة كي تتطلع إلى الحياة من خلف سورٍ صلبٍ قاسٍ، يعانقها النسيم العابر، ليترك فيها شذراته التي لا تموت..
تسألها والدتها: أترغبين في زهرة أخرى جديدة..؟
- كلا.. فزهرتي لا تُستبدل..
وتستمر الحياة...