|
الرياض - واشنطن - خالد المالك
بعد كل ما قدمناه في الحلقتين السابقتين عن مسيرة التعليم العالي للطلاب والطالبات في الداخل والخارج، وبعد توثيق ذلك بالأرقام والإحصاءات والتواريخ والشواهد الرسمية الصادرة من وزارة التعليم العالي، بما يؤكد سلامة التخطيط ونجاح السياسة التعليمية التي تقودها وزارة التعليم العالي في إعداد أبناء وبنات الوطن لتحمل مسؤولياتهم في خدمة الوطن في كل المواقع التي تحتاج إلى كل ما تعلموه من تخصصات، ها نحن نقرب الصورة ونقترب من الواقع ونستشهد بما يترجم كل هذا من خلال استخلاص النتائج والدروس والوقائع - كمثال - في الطلاب والطالبات الذين كانت وجهة بعثاتهم إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث العدد الأكبر والجامعات الأكثر والتخصصات في كل الميادين، وحيث تنوع مستويات الدرجات العلمية بين بكالوريوس وماجستير ودكتوراه وزمالة في مجال الطب، وكل ما ستقرؤونه سيكون عن تخريج الدفعة الرابعة وعن يوم المهنة المصاحب لهذا التخرج، وكذلك عن مبنى الملحقية الثقافية السعودية الجديد الذي صادف تدشينه مناسبة تخريج الدفعة الرابعة من مبتعثين ومبتعثات في برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي.
لقد سعدت بحضور هذه المناسبات ضمن زملائي بعض رؤساء التحرير بدعوة كريمة من معالي وزير التعليم العالي الدكتور خالد العنقري وحفاوة كبيرة من الملحق الثقافي السعودي في الولايات المتحدة الأمريكية الدكتور محمد العيسى، مما مكننا من التعرف على طبيعة الحياة التعليمية للطلبة السعوديين عن قرب، وذلك بالحديث مع معالي وزير التعليم العالي وسفير خادم الحرمين الشريفين في أمريكا والملحق الثقافي السعودي هناك، وما تخللت هذه المناسبة من لقاءات لنا مع بعض الطلاب والطالبات، حيث كان الانطباع مماثلاً للصورة التي كانت في أذهاننا من حيث الاهتمام بالجودة تعليمياً والانضباط في السلوك، وما يصاحب ذلك من إشراف واهتمام ومتابعة من الملحق الثقافي السعودي والمسؤولين والمشرفين في الملحقية، إذ كان المبتعثون والمشرفون عليهم في مستوى الثقة والأمل الذي رسمت ملامحه مبكراً فكرة برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث، بما هي عليه من صور مبهرة ومستوى حددته أهداف البرنامج التي سعى إليها صاحب هذه المبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وأكد على أهمية أن تبلغ ذروتها من النجاح.
وبالتأكيد، فإنَّ الحقائق والنتائج التي تحققت حتى الآن تظهر بجلاء سلامة هذا التوجه وفائدة هذا التوسع في الابتعاث لبعض التخصصات المهمة. وحين نأخذ الولايات المتحدة الأمريكية كمثال، فإنَّ الصورة الإيجابية لا تختلف عن صورة بقية المبتعثين السعوديين إلى بقية الدول وفي كل قارات الدنيا حيث شمل الابتعاث 64 دولة من دول العالم. وقد جاء اختيار الولايات المتحدة الأمريكية كمثال بسبب زيادة عدد المبتعثين إلى جامعاتها مقارنة بالدول الأخرى، ولأنَّ حضورنا حفل تخريج الدفعة الرابعة وافتتاح مبنى الملحقية الثقافية الجديد وتنظيم يوم للمهنة للراغبين العمل في البنوك والشركات والمؤسسات والجامعات وغيرها، هو ما حفزنا على اختيار أمريكا كعينة لنجاح برنامج الابتعاث، ومن الحرص على ترسيخ ما تحقق من نجاح في أذهان الجميع مدعوماً بالأرقام والإحصائيات والحقائق، وهو بعض ما ينبغي أن يُقال عن الجو المشحون بالثقة والعزيمة والإصرار لدى المبتعثين على بلوغ الأهداف التي سعوا مغتربين من أجل تحقيقها.
ففي الشهر السادس من عام 2011م كانت العاصمة الأمريكية على موعد مع الاحتفال بتخريج الدفعة الرابعة لبرنامج خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للابتعاث الخارجي في حفل بهي أقامته الملحقية الثقافية السعودية بأمريكا. وضمن فعاليات هذا الاحتفال تم تنظيم يوم للمهنة بمشاركة كل الشركات والمؤسسات في القطاعين الخاص والعام، بالإضافة إلى المؤسسات العلمية والأكاديمية، وذلك لأول مرة. حيث كان يوم المهنة يقتصر فقط على حضور الجامعات والمؤسسات العلمية. وقد جاء هذا التوسع بتمكين كل الشركات والمؤسسات وبالذات الكبيرة منها كشركة أرامكو وشركة سابك والبنوك وشركات الاتصالات لتنويع الخيارات أمام الخريجين في اختيار المواقع والوظائف التي تستجيب لرغباتهم والتي تتناسب مع تخصصاتهم، كما أنها فرصة لهذه الشركات والمؤسسات للحصول على حاجتها من التخصصات المتاحة، وإبرام عقود مع الراغبين في العمل لديها متزامناً ذلك مع اليوم الذي يحتفل فيه هؤلاء بتخرجهم.
ولقد رأينا رأي العين هذا المشهد الجميل سواء عند مسيرة المتخرجين والمتخرجات أمام الحضور، أو فيما يشبه ورش العمل في يوم المهنة، حيث كانت الأجواء مشحونة بالعواطف وبالآمال التي ينتظر الخريجون تحقيقها في المستقبل القريب بعد عودتهم إلى أرض الوطن واستلام مهام أعمالهم لتأكيد جديتهم ورغبتهم الصادقة في ترجمة ما تعلموه إلى إنجازات وأعمال لصالح الوطن والمواطن، بينما كانت المناسبة أشبه بيوم عيد امتزجت فيه أفراح الخريجين مع من حضر من أولياء الأمور وبمن وُجد في هذا المهرجان وبخاصة معالي وزير التعليم العالي والسفير السعودي لدى الولايات المتحدة الأمريكية والملحق الثقافي السعودي في واشنطن، ودون أن استثني بقية المسؤولين في الملحقية الثقافية السعودية تحديداً. ولا شك أن تنظيم هذا الاحتفال بهذه العناية والاهتمام وحسن التنظيم وبحضور عدد من المدعوين من المملكة ومن الولايات المتحدة الأمريكية قد أعطاه شيئاً من التميز الذي ظهر واضحاً على محيا الخريجين والخريجات.
تقول الدكتورة موضي بنت عبدالله الخلف مديرة الشؤون الثقافية والاجتماعية بالملحقية الثقافية عن يوم المهنة: إن الملحقية حرصت في السنوات السابقة على البدء والتفكير في يوم المهنة بحسبانه أحد الحلول العملية التي يمكن أن تشارك فيها الملحقية لتوفير سبل العمل للخريجين والخريجات في الجامعات السعودية كخطوة وتجربة أولى. وفي هذا العام تم افتتاح يوم المهنة برؤية جديدة ومنهج جديد تشارك فيه كل الشركات والمؤسسات من القطاعين العام والخاص، بالإضافة إلى الجامعات التي توفر فرصاً توظيفية في تخصصات مناسبة وفي مختلف المجالات، مضيفة بأنَّ يوم المهنة يمثل لغة جديدة في الثقافة والوعي واكتساب المهارات، ومؤكدة بأنَّ يوم المهنة سيكون دائماً وعبر السنوات القادمة بوابة العبور نحو المستقبل الأفضل.
وقــــد جــرت العــادة أن يسبق يوم المهنة حفل التخرج، وفي هذا العام افتتح يوم المهنة في اليوم السابق للاحتفال بالخريجين، وامتد لمدة يومين، وفيه -كما أشرنا من قبل- تتاح الفرصة لهؤلاء المبتعثين من الخريجين للتعامل وبصورة مباشرة مع وفود الجامعات والمؤسسات والشركات والبنوك الذين يأتون خصيصاً من المملكة للمشاركة في هذا اليوم واستقبال الخريجين وعرض الوظائف الشاغرة عليهم. ومثلما أشرنا، فقد اقتصرت السنوات الثلاث الأولى منذ بدء يوم المهنة على الجامعات السعودية وخصوصاً الناشئة والجديدة منها فقط، وذلك لإتاحة الفرصة لها لاستكمال هيكلها وصرحها من خيرة الخريجين والخريجات، حيث كانت الملحقية الثقافية تقيم أجنحــة لتلــك الجامعات، وجاء مندوبوها للاتفاق مع الخريجين والخريجات وفق حاجتها من التخصصات، ثم تطور الأمر في العام الثاني فتم اختيار الخطوط السعودية راعيةً للمناسبة، وفي العام الثالث كانت الرعاية من نصيب شركة صافولا ومركز الملك عبدالله للدراسات والأبحاث البترولية، إلى أن رأت الملحقية هذا العام وهو العام الرابع فتح أبواب المستقبل أمام خريجيها الكثر هذا العام، حيث يزيد عددهم على مجموع خريجي السنوات الثلاث السابقة، وذلك بضم ما يزيد على مائة وخمسين شركة ومؤسسة سعودية في يوم المهنة في سنته الرابعة، فضلاًَ عن مشاركة وحضور الجامعات.
( يتبع غداً)