وصلتني رسالتان في يوم واحد، تتناولان موضوعاً واحداً من زاويتين مختلفتين تستحقان أن نتوقف معهما سوياً في هذه المساحة التي أسعد فيها باللقاء مع الأحبة القراء.
الرسالة الأولى: بعث بها الأخ الكريم أبو جهاد يقول فيها: (وقفة تأمل قد تكون صائبة) أتأمل في علاقاتنا الاجتماعية كمجتمع مسلم، وقد أفل نورها على مستوى الأسرة، وعلى مستوى العائلة، وأقف حائراً لهذا الجفاء، والرسمية المقيتة، والمجاملة الممجوجة في أكثرها، إخوة لا يرى بعضهم بعضاً إلا كل عيدٍ، أو كل سنة، أو في عزاء، حتى المهاتفة ميتة، وإذا استيقظت عادت لرقدة طويلة، أولادهم بلغوا مبلغ الرجال، لا يعرف أحدهم أن له عماً أو خالاً في نفس بلده، فضلاً عن أن يعرف اسمه.. تأمل وقلّب ناظريك تجد عجباً، قوماً لا يحضرون أية مناسبة، وإذا حضر أحدهم غادر كالبرق، وإذا جلس انزوى يحدث من بجانبه، مع أن من في المجلس أقرب الناس له، حضرت أجساد وغابت قلوب، وأحياناً تغيب كلها.
من سيدفع ثمن هذه القطيعة، نحن أم أطفالنا، أم من يأتي بعدنا؟ وما أثرها في الأسرة والأمة بأسرها؟ إلى متى.. والكل يعفي نفسه، ويسوق لها المبررات حتى قتلنا في أنفسنا سوء الظن؟ فهل نحن المشكلة، أم نحن جزء من الحل؟ البسمة كانت واحدة، وأضحت ذات ألوان، يلقى أحدنا أخاه أو قريبه يوماً ما في مكان ما ويشيح عنه بوجهه مردداً في نفسه: لعله لم يشاهدني؟!.
الحديث ذو شجون، ولكن، يا ترى ما سبب ذلك؟ في ظني أن فقه صلة الرحم - فقد الصلة وأضاع البوصلة، شكراً لك، وإذا أتحفتني بسبب آخر فأنت شريك الإصلاح.
هذه هي الرسالة الأولى من الأخ أبي جهاد بهذه الصورة القاتمة التي تضمنتها.
أما الرسالة الثانية فهي من إحدى الأخوات، بعثت بها تعبيراً عن مشاعرها نحو أهلها في شهر رمضان، لتطلعني على هذه الصورة المشرقة.
قالت: قضيت عند الأهل رمضاناً فوق الوصف، لأن التنافس على الطاعات جعل الأجواء عبقة بالروحانيات الراقية، جئت من عند قوم أشباه الملائكة كرما، وجودا، وحنانا غامرا، وزهدا في المظاهر، وإقبالا على الآخرة، لازلت برغم البعد أشم طيبهم، وأحسّ بنبض حنانهم، ودَّعوني والعيون دامعة، والنفوس قلقة عليّ مما ينتظرني في بعدي عنهم، لكنهم أحاطوني بالدعاء الذي أسمع همساته الآن.. فديتهم.
هذه هي الرسالة الثانية بصورتها المشرقة، تضع أمامنا صورة اجتماعية مناقضة لتلك الصورة التي تضمنتها الرسالة الأولى.
هنا نتوقف أمام سؤال لا مناص من طرحه:
أين مجتمعنا المسلم في حقيقته من هاتين الرسالتين؟ وإلى أيهما ينتمي انتماءً حقيقياً واقعياً؟.
في رسالة أبي جهاد صورة قاتمة مؤلمة أشعرتنا بوجود تفكك خطير في المجتمع، وتباعد بين أهله، وتقصير مخيف في صلة الرحم، وجفوة تسري بين أفراد المجتمع تؤكد وجود خلل كبير في النفوس، فأين نحن من هذه الصورة القاتمة؟ وهل هي صورة منتشرة حتى يمكن أن تشكل ظاهرة اجتماعية تحتاج إلى معالجة؟ أم أنها معاناة محصورة عند بعض الأسر التي يعيش أفرادها وضعاً اجتماعياً ساق إلى هذه الصورة؟
أما الرسالة الثانية، فقد صورت لنا صاحبتها صورةً مشرقة لتلاحم أسري جميل، وعلاقات اجتماعية متميزة، ووضع عائلي يسر القلب ويشرح الصدر، فأين نحن من هذه الصورة المشرقة، وهل هي صورة منتشرة في مجتمعنا المسلم حتى يمكن أن تشكل ظاهرة اجتماعية تدعو إلى التفاؤل، وتحتاج منا إلى الدعم المتواصل لتقويتها ونشرها؟.
الذي يتبادر إلى ريشة قلمي الآن هو تغليب جانب الصورة الايجابية المشرقة في مجتمعنا العربي المسلم، وأنها تمثل الحقيقة والواقع لهذا المجتمع، وتظل تلك الصورة القاتمة نشازاً في المجتمع وصورة منحرفة تنحصر في بعض زواياه.. هذا ما تبادر إلى ريشة قلمي الآن، فهل هو الصواب؟
إشارة: وطني هو الدِّين الذي غسل القلوب وأرشدا.