كتب عبدالعزيز القاضي - أبوإياس:
إن من يتأمل في شعر سليمان السلامة يلاحظ إلى جانب السهولة والعقلانية أنه يتميز بظاهرة لا تخطئها عين الخبير, وهي (الهدوء التام), هدوء الثقة المعبرة عن شخصية رزينة لا تخرجها الأحداث عن طورها, ولا تزعزع خبرتها في الحياة والناس والأحداث. وخير دليل على هدوئه ثباته في لحظات الفراق, ومن ذا الذي يستطيع أن يقول بكل هدوء في تلك اللحظات لمحبوبه المفارق:
الله معك وانا على كل حالي
ما بيدي إلا الصبر مهما تشكيت
أو يقول:
كان قلبك حب غيري مايلام
مالى ألا أنساك في صبر جميل
يا زين ريحني بجيه ومسيار
والا قل ابعد وانتفارق على خير
أو يقول:
نشّفت من حزني عليك المعاليق
ومع ذاك قلت الله بدربك يهنيك
أو يقول:
لكن بمان الله بخيرك وشرك
وعسى الزمن لك طول الأيام حالي
ان كان به شى واخافه يضرك
فهو غرورك والكبر والتعالي
أو يقول:
سافر بعيد وخذ من العين طيفك
يغنيني اللي في يديه التوافيق؟!
ربما قيل إن السبب يعود إلى سطحية هذا الحب وعدم تغلغله في الشغاف إما على الحقيقة أو على سبيل التقمص الخيالي, لكن الذي يعرف شخصية سليمان السلامة يدرك أن هذا الهدوء المثير للعجب في أسلوبه في الحياة والشعر, هدوء حقيقي لا علاقة له بعمق المحبة أوسطحيتها, ولا يخضع لبرود موجات الغرام التي تتلاعب بسواحل القلب كما يتلاعب الهواء بريشة طائرة, أو اشتعالها, إنه هكذا يتعامل مع الأحداث مهما كان تأثيرها مدمرا لمحتويات قفصه الصدري, وروحه الطائرة في أجواء الغيبوبة, فهو في شعره وفي الواقع كما أعرفه أيضا, إنسان متسامح, محب للجميع, لا يحمل في قلبه حقدا ولا غلا لأحد, حتى من يسيئ إليه, يقول له: رح الله يسامحك ويساعدك! ورأينا هذا في الأبيات السابقة مع المحبوب, ومن يستطيع أن يتقبل لحظة الفراق بروح متسامحة؟ أظن اعتزازه بكرامته تفرض عليه التضحية بقلبه مهما كانت مؤلمة, والصراع بين القلب والعقل صراع أزلي خلق مع الإنسان الأول, لكن العقل عند سليمان السلامة هو المنتصر بلا تفكير:
علم غرورك عزتي مالها حد
ولي وجه غير الود جرّب تشوفه
ولسليمان السلامة معان جميلة مركزة في بيت أو بيتين, ولعل من أجمل ما نظمته قريحته الجميلة, قوله:
يبقى الغلا لو فرقتنا المشاريه
والشرهه اللي بالخواطر تروحي
كل يعاتب بعض الأحيان غاليه
والحب يبقى فوق كل الجروحي
وهذه نظرة عميقة في طبيعة العشق وفلسفة الحب, فالأحداث التي لا تمس جوهر الحب وأساسه الثابت تبقى متغيرات طارئة تزول بمرور الوقت, وتتضاءل أمام حقيقة المشاعر الأصلية, وهكذا يكون التعامل الصحيح مع أحداث الهوى التي تقود إلى سخط و(الشره) والعتاب, فهو بهذين البيتين يقرر أن اللمم لا يغير القلوب, ولا يخدش بلوة الحب, لأنه إعراض وبثور لا تلبث أن تزول ليبقى الحب الحقيقي الثابت.
وقبل الختام أترككم مع هذه الأبيات والمقطوعات الجميلة التي تقدم الشاعر سليمان السلامة أكثر مما تقدمه كلمات نسوقها عنه
أكذب وأقول إني نسيتك وصديت
وانا أتحرى كل وقت اتصالك
**
يا قصيدة بين الأوراق القديمه
يا حبيبٍ صار حبه ذكريات
ما بحبك لو تذكرته غنيمه
اسأل الوقت الذي بالحب فات
كان حبك في سما دنياي غيمه
حاجبه عن عيني أفراح الحياة
أرتجيك الحب وتزيد الظليمه
ما حصل حتى ولا منك التفات
**
ما ني من اللي في تعاملهم أنذال
ولاني ذليلٍ تزعلينه ويرضيك
**
يا يمين الخير يا يمنى فهد
في ظلالك مستظل هالبلد
تزرعين الخير لأولاد الولد
وطايلٍ خيرك جميع المسلمين
**
جاني من الماضي وفايت لياليه
ينشد عن جروحٍ دفنها زماني
وقفت محتارٍ عيوني تراعيه
أبكي فرح وأبكي ندم من حناني
مديت كفي وارتعش بين أياديه
رديت لسنينٍ مضت في ثواني
بالله وش جابك لقلبي وطاريه
وش لك بتجديد العنا اللي طواني
**
تونا وين ياناوي تروح
خلنا نفرح بشوفك تونا
شوفتك لي هي دواء كل الجروح
لاتسافر فيك قلبي ما اهتنا
من يلوم اللي على خله ينوح
توي أدري ويش حبك ويش انا
**
أيّست من رجواك ياناسي الحب
لو بك رجا ماضاع عمري وأنا أرجيك
أربع سنين أرجيك وأشكي لك القلب
أشكي جروحه منك ربي يجازيك
تشوفني يازين في عابر الدرب
وتصد عني كن غيري يناديك
أعطيك قلبي وانت تعلن لي الحرب
نفسك كبيرة ماتبي من يداريك
**
من سألته عنك في وجهي تبسم
قال هي تسأل بعد نفس السؤال!
**
حاولت أعلمك الوفا طول الأوقات
وقبلك تعلمت الجفا منك واقفيت
**
من عاش بظنونه بلا شك يتعب
ياكثر مايلقى من اظنونه إحراج
**
ما أقدر على جرح المشاعر والإحساس
يصعب علي أكسر للاحباب خاطر
**
ودك إن الحب مايبلى خجول
انقضى بالصمت عمري ماحكيت
Alkadi61@hotmail.com