عزيزي الرجل.. ربما تساءلت يوماً ما الذي يدور في عقول كثير من النساء، وما الذي يشغل أفكارهن ويستولي على الجزء الأكبر من أحلامهن وأمنياتهن، وربما خطر على بالك ذات فضول سؤال يقول: ما هي أحاديث النساء في المجالس؟ ما هي المواضيع والملفات الأكثر تداولاً في جلساتهن، وما هي الهموم التي يتباحثن فيها ويتشاركن آلامها.. فأنا اليوم وبصفتي إحدى المحكومات عليهن بارتياد هذا المجالس بشكل متواصل ومستمر، سأعطيك نبذة حصريّة عما يدور في تلك المجالس العامرة، نبذة لن تبوح لك بها امرأة أخرى.
لحظة.. قبل أن أبدأ أريد التنويه أن أمنيات وهموم ومشاغل المرأة السعودية وغيرها من نساء الخليج واحدة التزاماً بمقولة «خليجنا واحد وشعبنا واحد»!
حسنا ًعزيزي القارئ.. القصة بدأت منذ سنوات قليلة، حيث توسعت مدينتنا الرياض وغيرها من مدن المملكة الكبرى حضارياً واقتصادياً واجتماعياً، واحتضنت هذه المدن بل وضجت بالأسواق التجارية التي لا ملاذ للنساء والعائلات المسكينة سواها، فوجدت المحلات التجارية العالمية شعباً جائعاً مستهلكاً من العيار الثقيل، لم يقتصر حماسه المشتعل وجنونه الشرائي على «اللقيمات والفيمتو» في شهر رمضان، بل على كل شيء وفي كل المواسم.. والاستهلاك الجديد الأعنف والأبرز منذ عقود هو على سوق الماركات العالمية «فالنتينو، لوي فيتون، هيرمز» حيث أصبح من النادر أن تجد أنثى سعودية، مهتمة بهذا السوق أم لا.. معجبة أو غير معجبة به إلا وتحمل حقيبة من تلك الماركة أو تلك..كيف لا؟ فئة كبيرة جداً من المجتمع أصبحت تحكم عليك وعلى مستواك الاجتماعي والعائلي والذوقي من خلال الحذاء الذي ترتديه، والحقيبة التي تحملها، والساعة التي تزين يديك وتذكرك في حين بأن الزمن قد تغير.. وفكرة أن الإنسان يقاس بعقله وإنجازاته وأخلاقه ومستوى فهمه وإدراكه قد ولى إلى غير رجعة.
فمنذ لحظة وصولك إلى أي اجتماع نسائي ستجد أن المواضيع الأكثر تداولاً وشعبية هي في الحديث عن أحدث إصدارات دور الأزياء العالمية، عن أسرار جودتها وأنواعها وأسعارها، عن روعة المجموعة الجديدة من «غوتشي» ورداءة العرض الأخير «لشانيل» ستنبهر حين تعلم أنهم على دراية بالقطع المحدودة التي لم يصنع منها إلا بضع حبات، ومن يملكها من مشاهير العالم، ستتعرف على تصنيفات جديدة للماركات حيث هناك ماركات درجة أولى وأخرى درجة ثانية وثالثة.. ستلمس نباهة وذكاء ومتابعة ممتازة جديرة بالاحترام والدراسة المتأنية. ولو علمت عنهن إحدى مجلات الأزياء المهتمة بمتابعة ونشر وتحليل خطوط الموضة لفضلتهن على نساء العالم، وعينتهن لديها وتخلصنا من مشكلة البطالة لدى النساء.
أتألم كثيراً للانحدار الواضح بطبيعة اهتمامات الأنثى السعودية والخليجية بشكل عام، أبغض هذه المسطرة الظالمة والميزان الأعوج الذي يقيس كيان المرأة وشخصيتها بحقيبتها وساعاتها، حتى أن بعض الأمهات يجبرن بناتهن على ارتداء أفخم الإكسسوارات وأغلى الساعات حتى يقال إن بنات فلانة «كشخة»، والبعض منهن يتسلف ويطلب قرضا بنكيا للحصول على الشنطة «الحلم».
وأضيق بحسرتي وقهري حين أعلم أن تلك الحقيبة والحذاء هو الذي يجملنا لا نحن من نجمله، وهو ما يقدمنا للعالم النسائي الجديد ويضمن لك مقاعد أمامية فاخرة فيه.
انتابتني أمنية صغيرة، وأنا في حضرة إحدى تلك الجلسات النسائية، والنساء في خضم نقاش حاد عن - سبب تأخر افتتاح إحدى دور الأزياء في المملكة - بأن تستغل تلك النباهة والحماس والشغف بتطوير العقول وتغذية الثقافة والارتقاء بالأخلاق ومعرفة الحقوق والمطالبة بالغائب منها، أن تستثمر تلك الطاقات اللاهثة خلف سراب المظهر، بالعلم والعمل والحلم.. أن تسخر تلك الأموال الطائلة التي تصرف لتسد جوع من نوع جديد، على تجديد الروح والبحث عن ما يمتع الذات لا الآخرين، بالسفر والاكتشاف وتذوق المدن والمتع المختلفة لا في السفر بحثاً عن مزيد من المظاهر التي تشعل رغبة العودة إلى الوطن للتباهي بها أمام مجتمع مصاب بمرض عضال أشغلهن عن رؤية الحياة وتذوق متعها الحقيقية أثناء بحثهن عن سعادة وهمية في مظهر زائف يتناسب مع جوهر فارغ وهش.
نبض الضمير:
(يصعب على الكيس الفارغ أن يقف منتصباً)