|
الأحساء - عايدة صالح - تصوير - نواف الشمري
صوت القطار.. لا يسمعه إلا من سكن الأحساء والذي اعتاد عليه وألفه الكثير وهو يشق صمت الليل, ويساير صخب المدينة في النهار, بل هناك من له علاقة حب وعشق لذلك الصوت.. الذي تقول عنه إحدى السيدات: عندما أسمع صوته خاصة في ليل الشتاء وكأنه يبكي وحدة الليل, فلا أستطيع أن أتمالك دموعي فأبكي, ولست أنا الوحيدة التي أشعر بذلك الإحساس بل هناك الكثير من تربطهم ذكريات وعلاقات إما سعيدة أو حزينة مع القطار... وبعكس آخرين فهناك من يشعر بإزعاج وتلوث سمعي منه..
القطار الذي يقطع بمساره مدينة المبرز في منطقة الأحساء التي اكتسبت فيما يرى البعض ميزة لم تتوفر في أي مدينة سعودية أخرى فيشاهدها الراكب بالقطار المتجه من الدمام إلى الرياض والعكس مروراً بمحطتها الواقعة بين مدينتين المبرز والهفوف.
وتكونت علاقة قوية بين أهالي الأحساء منذ أن افتتحه الموحد الملك عبدالعزيز بعد موافقته على إنشاء ميناء بري في الرياض وتوصيله بالميناء البحري في الدمام بمد سكة حديد وذلك في 30 أكتوبر1951م, لنقل البضائع الموجودة في الميناء والتي تعود غالبيتها لتجار في الوسطى وغيرها, وقد مر القطار بمراحل عديدة تطويرية منذ ذلك الحين إلى وقتنا الحاضر.
ورغم النظرة التشنجية السلبية التي يراها بعض سكان الأحساء للقطار والتي ترجع إلى الزحام الشديد الذي يتسبب به حين مروره, إلا أنهم قطفوا ثمرات كثيرة لوجوده, فاستفادوا منه اختصار المسافات, وتقليل نسبة الحوادث فهو يعد أكثر أماناً من الطرقات السريعة ويعتمد عليه العديد من الأسر والطلاب والطالبات في الجامعات وكذلك الموظفين الذين يستغلونه إجازة نهاية الأسبوع, وغيرهم من مستغلي هذه الوسيلة في تنقلاتهم.
وتعد هذه الميزة التي ذكرنها سابقاً هي أكبر مشكلة يعاني منها سكان الأحساء، فسكة القطار تقطع المدينة في أهم محاورها وشرايينها خاصة بعد النمو السكاني الكبير في السنوات الماضية فتتعطل كثير من مصالحهم وقت مرور القطار وخاصة القطارات المحملة بالبضائع التي تستغرق وقتاً طويلاً حين مرورها, وتمر في أوقات متعددة في اليوم الواحد.
وقامت مؤخراً أمانة الأحساء برئاسة المهندس فهد الجبير في محاولة حل هذه الأزمة المعضلة مع المؤسسة العامة لسكة الحديد لوجود حلول تنهي معاناة الاختناقات المرورية التي يتسبب بها. كما ويطالب الكثير من الأهالي بأن يبقى القطار قريباً منهم بوضع سكته على جسر معلق مثلا لكي يتسنى للركاب مشاهدة مساحة كبيرة شاملة للأحساء أكثر مما يُرى حالياً, أو عمل أنفاق إما أن تكون للقطار أو للطرق التي تقطع السكة في مواقع معينة لتفادي الزحام.
وقد أعلن رئيس المؤسسة العامة لسكة الحديد المهندس عبدالعزيز الحقيل أنه سيتم نقل سكة الحديد خارج النطاق السكاني بالأحساء كما أكد أن سبب التأخر حتى الآن يعود إلى تقدم المقاولين بأسعار مرتفعة عند طرح المشروع في مناقصتين سابقتين, وأن المؤسسة قامت بطرح المشروع مرة ثالثة.
أهالي الأحساء يبدو أن لهم رأياً آخر يفضل حلول أكثر عملية ومنطقية للتعامل مع إشكالية مرور القطار من وسط مدينتهم التي يبدو أنها السبب وراء خطط المؤسسة العامة لنقل سكة الحديد إلى خارج المدينة فهم يعتقدون أن وجود السكة يعد مظهراً حضارياً لا يسيء إلى صورتها الجمالية أما من الناحية الاقتصادية فيرون أن المشروع الذي أعلن عنه الحقيل يكلف الدولة مبالغ طائلة لا سيما أنه لا يشمل نقل السكة فحسب بل يترتب عليه احتمالية بناء محطة جديدة كما أن المشروع الجديد يعني بالنسبة للمواطن تكاليف إضافية للانتقال للمحطة الجديدة التي حتماً ستكون بعيدة عن النطاق العمراني في حال إقامتها,علما أن البدائل لهذا المشروع كما يرون متوفرة كما أن المشروع الجديد سيكرر نفس الإشكالية بعد سنوات عند تمدد المدينة.
عبدالعزيز عبدالرحمن أحد موظفي شركة أرامكو يقول: مرور القطار في الأحساء يعد شيء جميل ولكنه يتسبب بإرباك الحركة المرورية أثناء مروره المتكرر في أوقات متعددة في اليوم وقطعه لبعض الطرق الرئيسية المزدحمة خاصة القطار المخصص للبضائع, وهذا هو الأمر السلبي الذي يزعج الأهالي ولو حل هذا الإشكال فلن يكون هناك أي تضييق منه على السكان.
وأضاف: أرى أن حل ذلك هو عمل أنفاق للسكة في النقاط التي تعترض فيها للطرق أو عمل جسور تحمل السكة في هذه التقاطعات. فنقل السكة بعيداً عن المنطقة ليس حلاً إيجابياً وسيحرم ركاب القطار من مشاهدة المنطقة, ناهيك أن المشكلة ستعود بعد سنوات للسكة الجديدة مع التمدد السكاني الكبير الذي تشهده الأحساء مؤخراً.
وأوضح المهندس أحمد مطر رئيس بلدية المبرز بقول: الذي أعرفه أن المؤسسة العامة لسكة الحديد تخطط لنقل سكة الحديد وليس المحطة خارج النطاق العمراني للأحساء، وأنا شخصياً أؤيد هذا المشروع الهام الذي سينهي مشكلتين كبيرتين طالما عانت منهما الأحساء وهما:
- ضعف الترابط العمراني بين الكتل العمرانية على ضفتي السكة الذي نتج عنه أزمة مرورية خانقة خاصة في أوقات الذروة نتيجة لقلة الشوارع الرابطة بين الجانبين.
- وتوقف الحركة المرورية بين الجانبين عدة مرات يومياً نتيجة مرور العديد من قطارات البضائع والركاب الذي كثيراً ما يعطل سيارات الطوارئ كالهلال الأحمر والدفاع المدني وغيره، ناهيك عن الضوضاء الذي تسببها القطارات القادمة والمغادرة للأحساء للسكان القريبين من السكة.
أما فيما يتعلق بتكاليف المشروع فإن العائد الاستثماري للأراضي الواقعة داخل حرم السكة والعائدة للمؤسسة كفيل بأن يعوض من تكاليف المشروع خاصة إذا تم التخطيط لاستثمارها تخطيطاً جيداً حيث إنها تتمتع بمواقع تجارية متميزة وتقع أجزاء كبيرة منها على أهم الشوارع التجارية بالأحساء.
بقي الإشارة إلى ارتباط الأحساء بالقطار منذ عدة عقود وأن إزالته إلى خارج النطاق سيحرم الأحساء من أحد المعالم الهامة التي أصبحت ذات أثر في تشكيل هوية الأحساء ورسم صورتها في نظر الزائر والمقيم، أظن -ولست جازما- أن محطة القطار ستبقى في موقعها الحالي وسيتم الإبقاء على السكة المتصلة بين المحطة وشارع الرياض لوصول قطارات الركاب إلى المحطة، وإذا تحقق ذلك سيبقى القطار في عمق الأحساء وراسخا في ذاكرتها ولكن بعد التخلص من السلبيات التي أشرت إليها آنفاً.
من جانبه ذكر المهندس حمد العبد القادر نائب رئيس العام للمؤسسة العامة للخطوط الحديدية رداً على تساؤل «الجزيرة» عما تردد مؤخراً عن توقيع عقود نقل مسار سكة قطار الأحساء عن نطاقها العمراني وهل هناك مستجدات في شأن هذا الموضوع؟
وعن رأيه فيمن ينادي بعدم نقل السكة ورفعها بجسور فقط لكونها ميزة تميزت بها الأحساء عن غيرها في مناطق المملكة وأنها أقل تكلفة مادية فأجاب بقوله: آخر مستجدات المشروع أنه تم توقيع العقد مع إحدى الشركات الوطنية المتخصصة بمبلغ 659 مليون ريال وتم تسليم موقع العمل للمقاول وستكون مدة التنفيذ 36 شهراً, مسار السكة الحديد حالياً يقسم مدينتي الهفوف والمبرز إلى جزئين ويتقاطع مع خمسة طرق رئيسية ومع تطور منطقة الأحساء وقيام مشاريع كبيرة وزيادة عدد السكان وكثافة حركة السيارات كان لا بد من التفكير إما في نقل مسار السكة الحديدي وهذه رغبة معظم أهالي المحافظة وهو ما دفعهم للرفع للمقام السامي بطلب ذلك وصدرت التوجيهات السامية بدراسة ذلك، أو إنشاء كباري فوق تلك التقاطعات تخدم السيارات.
وإذا ما تم المقارنة بين الخيارين فنجد أن عملية إنشاء كباري تحتاج إلى تصاميم يجب أن تتواكب مع طوبغرافية المنطقة وسهولة الصعود والنزول من الكوبري وإنشاء مداخل ومخارج من نفس الكباري وهو ما يحتاج إلى مساحات ومسافات كبيرة غير متوفرة، بالإضافة إلى خنق المنطقة بعدة كباري قريبة من بعضها البعض.
أما نقل مسار سكة الحديد فإنه يتيح للمدينة الاستفادة من جميع الأراضي المشغولة حالياً بالخط الحديدي وأحرامها في تنمية وتطوير المنطقة وإنشاء مشاريع استثمارية.
أما بخصوص التكلفة فقد تكون تكلفة نقل المسار أعلى من إنشاء الكباري ولكن يجب ألا نغفل العائد الاقتصادي على المنطقة باستغلال حرام الخط الحديدي وإزالة الحواجز التي تقسم المدينة نصفين.