نحن أمةُ حباها الله أولاً بنعمة الإسلام ومن ثم بثروات رجالها ونسائها التي ما فتئ الغرب يجتذب المتميزون منهم، ثم بثروات طبيعية كالنفط والغاز والمعادن والآثار وغيرها من الثمين المغري الذي جعل ولايزال الغرب يستجدي التقرب منا ومن أراضينا للكسب المادي ثم في قدرتنا التي يعجز أكبر المستشرقين اليوم عن إيجاد تبرير لها رغم بساطتها وهي إصطفاف الناس حينما يُقام للصلاة في طريقة تنم عن تنظيم مرتب وقيادة وانضباط ذاتي لدى الجميع.
الأمر الوحيد الذي لا أجزم أن الغرب يحسدنا عليه هو التفكك التي تعيشه الدول العربية والعلاقات الردئية والمزرية والتي يستطيع أن يحكم بذلك أي مشاهد لما يحدث على الساحة اليوم من نزاعات بين الدول العربية لم نشهد لها مثيلاً في السابق ولم نشهد لها حتى مثيلاً لدى دول الغرب برغم أنه لا يجمعهم دين واحد كما هو حال الدول العربية أو تلك النزاعات التي تحدث في الدولة العربية الواحدة والتي أصبح المشهد فيها أشبه بمسرحية هزلية أو لنقل مسلسل تلفزيوني غير منتهي الحلقات، أو ما يحدث مؤخراً من رغبة لدى الشعوب العربية للتخلص من حكامها صالحها وطالحها لمجرد التغيير دون وعي منهم لما قد تؤول إليه الأمور أو دون أن يكون لديهم خطاب أو منهج واضح يسيرون في دربه أو على خطاه أو نهجه، سوى رغبتهم في الثورة، الثورة على ماذا؟ على الحاكم والحكومة فقط لمجرد القيام بالثورة تلك.
لدي يقين لا ينازعه شك أن كثيرًا من دول العالم التي لا يرضيها سوى زوال النعم التي أنعم الله بها علينا، أقول لدي يقين بأنهم لا يتوانون في البحث عن طرق ووسائل من شأنها أن تُحدثَ شرخًا في اللحمة الوطنية لمجتمع آمن تمهيدًا لإخماد جذوتها المشتعلة باستمرار.كثير من تلك الدول ربما استغلت ضائقة بعض رعايا تلك الدول المالية جراء الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعصف ببعضهم، كما يمكن أن تستغل حاجة بعض الشباب العربي للسفر إلى الخارج طلبًا للعلم أو بحثًا عن الرزق للعمل على انشقاقهم عن نسيجهم الوطني وإزالة وازعهم الأخلاقي وربما الديني وزرع العمالة والخيانة بديلاً عن ذلك بشتى ما أوتوا من طرق وأساليب.
جميع ما سبق من مهام وأهداف مبرمجة والتي تهدف إلى القضاء على النسيج الاجتماعي والسياسي والوطني والأخلاقي لدى الشعوب العربية، فإن البحث عن الأسباب التي تجعل الشاب العربي لديه قابلية على ممارسة العمالة من الضرورات الملحة للغاية لاسيما وأن العمالة تأخذ أشكالاً فظيعة حيث تبدأ بجمع المعلومات ورصد ومتابعة الأحرار، مرورًا بارتكاب أعمال الزنا واللواط والمتاجرة في المخدرات وترويج الممنوعات، وحتى تزعم شبكات الإسقاط وغيرها من أساليب العمالة المقيتة والمخّلة.
البساطة الذهنية كتدني المستوى العقلي أو التحصيل العلمي والحاجة سواءً المالية أو غيرها تجعل المواطن يخفقُ في التمييز بين الخطر الأمني المؤقت والخطر الإستراتيجي الدائم، كما أن غياب النظرة المستقبلية للفرد وشعوره بقلة العزيمة وافتقاره إلى الهدف الواضح والصريح، تجعله عُرضةً لغريزة الجشع والطمع خاصةً إذا ما تم منحه الوعود بالغنى السريع إذا ما استجاب لكل ما يطلب منه ودونما أي تردد، فيصبح العميل على استعداد لأن يضحي بكل شيء في سبيل الغنى وتحقيق المال.
بعد كل هذه الأسباب لابد وأن نعترف بأن التثقيف الأمني مطلب مجتمعي ووطني وديني، وهذا لن يتم إلا إذا تضافرت كافة الجهود بدءًا من الندوات الأمنية التوعوية في المساجد والمدارس والجامعات والأندية ووسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني بكافة أنواعها وتوجهاتها بحيث تكون هذه الندوات وورش العمل التوعوية جزءا إستراتيجيا لا يُمكن الاستغناء عنه. فمصلحة الوطن وحريته تتطلب من قادة المجتمع ونخبه وضع خطة أمنية توعوية تُمكن المواطن من تحصين نفسه ومجتمعه من أساليب العمالة والإسقاط البشعة.
المنافقون كانوا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وسيستمرون ولن تنقطع آثارهم السيئة حتى يوم القيامة، ومع هذا أقول وبثقة بالغة «باستطاعتنا أن نُحارب العمالة لو تضافرت كل الجهود وفكرنا في الحلول، وعملنا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم «كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته» إلى لقاء قادم إن كتب الله.
dr.aobaid@gmail.com