من قراءة لكتاب صدر مؤخرا عما يجري في الولايات المتحدة من احترازات أمنية في أعقاب اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر، والذي تتذكر أمريكا ذكراه العاشرة هذه الأيام. يفهم من الكتاب المعنون بـ»السر الأمريكي الأعلى،» أن الدولة أوجدت أجهزة متعددة في قمة السرية أو ما يمكن أن يطلق عليها «الدولة السرية الأمريكية» داخل الدولة.
هذا العالم «متناهي السرية» يشكل تجمعا عظيما يصل إلى أضعاف وزارة الدفاع «البنقان،» إذ إن هنالك ما يزيد على 2000 مؤسسة وما يقارب 1200 شركة، ويصرف عليها بلايين من الدولارات، أو قل «شيكات مفتوحة» لكل من يساعد في جعل أمريكا «أكثر أمنا».
وعلى الرغم من كل ذلك فهنالك من يشعر بأن أمريكا ليست آمنة بسبب عدم التنسيق والتكرار بين هذه الأجهزة والمؤسسات، ولا أحد يعرف بعد عشر سنوات من المسؤول. هنالك شركات وأفراد يحاولون جمع المعلومات، وما ذلك إلا بمثابة إعادة اختراع للعجلة.
ومن المعلوم أن الجيش الأمريكي له رغبة عارمة في الحرب ضد الإرهاب فكيف انتهى الأمر بأمريكا لأن توجد مؤسسات متعددة لم يعد لها الحسابات. وفي خضم كل ذلك من المفترض أن يلعب الكونجرس الأمريكي دورا رقابيا مهما، إلا أن معظم المعلومات سرية بالنسبة لمعظم أعضائه، وليس لدى معظم المشرفين خبرة، فالعملية من الناحية الإدارية أقل من المطلوب إضافة إلى الدافع الربحي الذي يأتي في المقام الأول، فهناك شركات كثيرة أعطيت عقودا خاصة.
وتصرف هذه الأموال على «السر الأمريكي الأعلى،» على الرغم من الحالة الاقتصادية المتردية التي تعاني منها أمريكا خلال الإدارة الأمريكية السابقة والحالية.
وفي ضوء المديونية الأمريكية وفي ضوء ما يصرف هناك انطباع بأن الإدارة الأمريكية تعمل على تقليص الحكومة وأنها لا تتوسع ولكن المقاولين الخاصين الذي يجمعون المعلومات تدفع لهم أجورا سخية وتدفع لهذه الشركات مبالغ مهولة لا تدفع لمنسوبي الدولة من (السي آي أ) وغيرهم من موظفي الدولة مما دفع بالموظفين إلى الانتقال إلى هذه الشركات التي تدفع لها الأموال الطائلة.
ويوظف المستقيلون من الدولة بعد سنة من انتقالهم وتدفع هذه الشركات رواتب لمدة سنة بدون عمل ثم توظفهم تحايلا على النظام، الذي لا يسمح لهم بالعمل مع هذه الشركات إلا بعد عام من استقالتهم من المؤسسات الحكومية. ولا يمكن أن تعمل بعض المؤسسات دون هؤلاء من ذوي الخبرة المميزة الذين ينتهي المطاف بمعظمهم للعمل مع هؤلاء المقاولين.
وإذا كانت مؤسسة الأمن الوطني HLS تتوسع بسبب الموارد المالية المهيأة لها إلا أن المؤسسات المحلية، مثل مراكز الشرطة، تعاني من شح الموارد المالية مما أدى إلى تقليص خدماتها، كما أن هذه المراكز وللأسباب نفسها وفرت لها أجهزة كانت تستعمل في الحرب الأفغانية مما نتج عن ذلك أن الشرطة أخذت تجمع معلومات عن الناس باستخدام تقنية متقدمة. ويشمل ذلك الأشخاص الناشطين والمحتجين والمنتمين «لحزب الشاي» بدعوى محاربة الإرهاب داخل الولايات المتحدة وعن طريق هذه المراكز وباستخدام هذه الأجهزة تجمع معلومات عن القاعدة لا تجمعها المؤسسات التقليدية.
ويشير الكتاب إلى فريق جي سوك (JSOC) الذي لا ينافسه أحد ويعرف بـ»القوة القاتلة» ويستخدم هذا الفريق «الدرونز» أو القذائف الموجهة من بعد، كما أن لديهم ما يعرف بـ»قوائم القتل» ولديهم القدرة على القتل والقبض على أفراد القاعدة أعظم من (السي أي أ)، ويعتبر البعض ذلك اغتيالا، أما الفريق المذكور فيطلق على هذه العمليات «القتل المستهدف»، ويرتكب (جي سوك) أخطاء وذلك بقتل المدنيين نتيجة لعملياتهم، ولديهم من الصلاحيات بالقتل دونما علم من الكونجرس. وعلى الرغم من موافقة أوباما على هذا «التكتيك الموروث» من بوش وبعد قتل ابن لادن، لا يقال إن «السرية» لا لزوم لها ولكن باستخدام هذه الطرق فلم يعد أحد يعرف ما الذي يحصل. وعلم الرغم من التكتمات تخترق التقنيات المستخدمة ويذهب الكثير بوجوب إعادة النظر فيما يجمع من معلومات.
ولقد احتوت منطقة بالتيمور، غير البعيدة من واشنطن، على مؤسسات للتصنت تشبه «معسكرا مهولا للأعمال» وهذا المعسكر بمثابة «الحي السري»، وتشمل بالتيمور عشر محافظات يشغل ذلك المعسكر سبعا منها. ويعمل فيها أغنياء يعيشون في مساكن راقية ويذهب أبناؤهم إلى مدارس متميزة.
ويبرر استمرار وجود المعسكر لعدم المعرفة عما تبقى من فلول القاعدة، ومن السهل على السياسيين الاستمرار في العمل كإجراء احتياطي، وإلا سيخاطرون في حالة توقفهم عن جمع المعلومات ثم تحدث عملية إرهابية.
وعلى أية حال يعتقد الكثير أن القاعدة قد اضمحلت ولم يبق إلا بضع آلاف منها وهذه العمليات «السرية الكبرى» لا تتناسب مع حجم ما تبقى من القاعدة، وهذا يعني أن «الوسيلة» تحولت إلى «غاية»، ومع تراكم المعلومات لم يعد لديهم القدرة على الاحتفاظ بسريتها في ضوء الاختراقات باستخدامات التقنيات الحديثة.
alshaikhaziz@gmail.com