تطرقت في مقالات سابقة، لمسألة استخدام الإعلام الجديد في الثورات العربية، حيث شكلت الصوت الأقوى والصورة الأوضح في مطالب الثوار، وايصال الحقيقة إلى العالم دون تزييف. فالمشهد من قلب الحدث والمصور مجرد شاب عادي والجهاز المستخدم هاتف جوال والمتلقي هو كل العالم. فالصورة لم تحتج إلى كثير من الرتوش والمونتاج لتستقبلها النفوس البشرية وتراها وسط مواقع إنترنتية تتلقف هذه اللقطات وتبثها إلى كل العالم في ثوانٍ.
نجحت وسائل الإعلام الجديد في التأثير بشكل قوي في كل الثورات العربية السابقة والراهنة، لكن في الحالة السورية ومع النظام الذي استطاع أن يقفز أو يتجاوز أي حاجز إنساني أو أخلاقي يبدو أن الآية ستنقلب، حيث بات النظام هو من يصور لقطات التعذيب وينشرها في الإنترنت دون خوف أو مواربة! والغريب أن النظام السوري عندما يدعي أن أغلب لقطات الثوار ملفقة ومفبركة فهو يعرض آلاف اللقطات للتعذيب لأناس ملقين على الأرض فرادا وعشرات ومئات وآلاف، فأنا استغرب هذا الكم الكبير من المعذبين مع ادعاء النظام السوري أنهم قلة من الإرهابيين يحاولون زعزعة أركان النظام وكل من شاهدناهم لم نجدهم يحملون قاذفات آر بي جي من ذوي اللحى الطويلة كالصورة النمطية للإرهابيين في العالم. هم مجموعة من الشباب الملقى على الأرض الذي يُعذب من العزل، يبكون وتُسب أمهاتهم وأخواتهم ويدعون تحت وطأة أسواط التعذيب إلى تألهة رأس النظام بخزعبلات تعكس عقلية رجل هذا النظام وأزلامه حين يسأل المعتقل: «من ربك؟ ليجيب بشار وماهر»، فتهدأ السياط لثوانٍ، ثم تعود.
اللقطات التي يبثها الطرفان «الثوار والنظام» هي في كل الحالتين مبكية ومؤلمة لا تحمل أي مفاجآت غير متوقعة من مثل هذا النظام، فما يبثه من لقطات تعذيب لزلزلة قلوب الثوار ووقف الانشقاقات العسكرية، تدعو للتساؤل.. إذا كان هذا ما ينشره النظام على الملأ فماذا يخفي؟ ولماذا تساهم القنوات الفضائية ببث هذه اللقطات وتساعد النظام على تحقيق مراده فالمسألة تجاوزت كشف الحقائق إلى عمليات بث الرعب وتحقيق أمنياته بوقف الثورة السورية.
في السياق ذاته، فإن النظام السوري كشف لنا كثيرا من الحقائق، واستطاع أن يجعلنا نرى المواقف الدولية المتناقضة، من تلاعب دول مهمة وتباين موقفها لحرب مصالح كان خفيا والآن بدأ يطفو على السطح، والنظام السوري يلعب على هذا الوتر بين تركيا وروسيا والصين وإيران، وأمريكا الصامتة، وفرنسا التي تظهر كل فترة وتعلن موقفها على استحياء! فمثلا الموقف التركي، فبعد أن كان -أردوغان- يزبد ويرعد ويهدد ويعطي بشار الأسد المهلة لإيقاف الجرائم الدموية بحق الشعب السوري، تحول بقدرة قادر إلى صديق مسالم «صامت» ومؤيد لجرائم الأسد! وبلا شك أن الحكومة التركية لن تقوم بأي خطوة إلا إن كانت مع مصالحها. ويدعم هذه الفكرة تاريخ الدولة التركية وطموحها التاريخي الطويل بأن تكون إمبراطورية كبيرة في المنطقة.
وبعد تركيا، فإن المهم في الموضوع هو الترقب الإسرائيلي، ولماذا لا تظهر الحكومة الإسرائيلية وتعلن صراحة دورها في دعم النظام السوري الذي انكشف ولم يعد خافياً، وهذا ما يدعم ثقته من نشر لقطات التعذيب، لأنه يعلم جيداً أن الظهر الذي يستند عليه قوي، وأن الدول العربية ما حولك أحد!
www.salmogren.net