لا يصح أن نفسر ما يجري في سوريا من خلال زاوية الصراع الطائفي أو مصالح الدول الكبرى، فالثورة حدثت بعد أن وصل الشعب السوري إلى نقطة اللا رجعة، وبعد أن مات ضمير الحياة الكريمة على الأرض السورية، وما نشاهده بصورة يومية يدل على أن الشعب لن يتوقف عن الخروج إلى أن ينتهي أحدهما، إما أن يزول حزب البعث، أو يُقتل آخر فرد من الشعب السوري برصاص السلطة على أرضه، بعد أن وصلوا إلى قناعة لا مجال للعودة إلى شرعية الغاب، وبعد أن هشم الاستبداد في داخلهم كرامة الإنسان، وألغى حقوقهم المشروعة، وبعد أن جعلهم منبوذين داخل وطنهم، مضطرين في أحيان كثيرة للهروب والهجرة إلى البلاد البعيدة.
***
ليس الصراع في سوريا بين السُّنة والأقليات الأخرى من العلويين والشيعة والمسيحيين، ولكن مع الاستبداد وحكم الدكتاتور الذي يملك كل شيء ويقرر كل شيء، وفي ذلك إقصاء جماعي للشعب، والجدير بالذكر أن الاستعباد السياسي الذي يمارسه البعث هناك يشارك فيه ممثلون من كل الطوائف، لكن قيادته تنحصر في عائلة الأسد، لذلك ليس من مصلحة مستقبل سوريا أن يكون الصراع طائفياً أي بين السُّنة والشيعة أو العلوية، بل هو إنساني ومدني وحقوقي، ولعل دولاً مثل إيران ترغب في أن يكون فيالاتجاه الطائفي، وذلك من أجل أهداف كثيرة منها تصدير الثورة الطائفية، وقد ظهر التفكير من خلال العقل الطائفي في المنطقة بعد ثورة الخميني الذي أقصى مختلف التيارات التي تخالف المنهج الاثني عشري، ثم أدخل إيران في صراع مع جيرانها والعالم، فهو كان يعتقد أنه يملك الحقيقة التي ستنتصر في نهاية التاريخ لتأخذ حق المظلوم من الظالم.
***
وصل تأثير الثورة الطائفية في إيران بسرعة فائقة للمنطقة العربية، ليتوالى خروج حركات ثورية متطرفة ومضادة في المنطقة بدءاً بحركة جهيمان إلى تيار الصحوة الإسلامية وانتهاءً بالقاعدة، والتي أيضاً تحتكر الحقيقة وتنشر الكراهية، وكان لها دور كبير في تصاعد وتيرة الصراع المسلح داخل العالم الإسلامي والغرب، لذلك يرقب العالم ما يحدث في العالم العربي، وهل الثورات العربية قامت على أساس مدني تُحترم من خلاله حقوق الإنسان ولا تخالف المقاصد الإسلامية النبيلة، أم أن الطائفية ستخرج بوجهها الكريه مرة أخرى في منطقتنا العربية، ليستمر حمام الدم بين الطوائف، وننتهي متفرقين إلى دويلات أصغر وأضعف.
***
أزمة المسلمين هي ممانعة التطور، فقد بنوا حصوناً ومعاقل داخل عقولهم تمنعهم من العبور إلى العالم الحديث، وإذا استثنينا ما حدث في تركيا وماليزيا من خروج إلى رحاب المدنية، فإن بقية البلاد الإسلامية لا تزال تئن داخل تلك الدورة التي تقوم على العصبية والدكتاتورية، ولا تعترف بحقوق الناس وبأهمية الحراك المدني في إذابة الفوارق بين الطوائف والطبقات، وإذا كنا نؤمن أن الطائفية كانت أعراضاً لحقبة مظلمة في تاريخ المسلمين، فلا بد من الانفصال عنها والتخلص من شوائبها، فالحقوق الإنسانية يجب أن لا تخضع للهوية الطائفية، وإنما للإنسان وكرامته، وما يحدث في إيران مآله إلى زوال، فالشعب الإيراني لن يقبل أن تتحكم في مصالحه فئة أو طبقه إثنية وطائفية، كذلك هو الحال في سوريا أو في ليبيا أو اليمن، فالشعب في تلك المناطق وصل إلى أن الحقيقة هي الوعي بالحقوق المدنية والحرية.
***
لنتوقف عن تفسير ما يحدث في سوريا على أنه مؤامرة دولية ضد مصالح إيران وحزب الله، فالحال هناك كان مهيأ للانفجار منذ عقود منذ مجزرة حماة في عهد الرئيس السابق، ويبدو أن الشعب السوري بمختلف طوائفه وصل إلى ساعة الصفر ولا مناص عن مواجهة السلطة في شوارع المدن وحارات الريف السوري، وأخيراً على حزب الله أن يدرك أنه مثال صارخ للطائفية الأصولية في لبنان، وأن استمراره في هذه الصورة المغلقة ليس في صالح المستقبل اللبناني والعربي، وسيساهم إصراره على التفكير من خلال السياسي الطائفي على نشوء سلطة طائفية جديدة في سوريا.