**كان الفتى في سني مراهقته المبكرة؛ يحلُم كما تحلم مرحلته العمرية، ولا ينسى أن في أمنياته الخداجِ ما خرج على النص حين استسمن الشخص؛ وكيف تأتى له أن يخطط لدراسة الطب ومعهدُه لا يأذن له بأكثر من أن يكون مُعمَّم دينٍ أو معلِّم لغة.
** لم يدرِ أنه كان يهذي بالغد؛ فلم تكن سوى هواجسَ عابرةٍ يهذرُ بها مع بعض أصفيائه، وقد أُنسيَها حتى أخبره صديقه الحميم من زمن الصِّبا أنه كان يردد عليه أمنيته ببلوغ «الخامسة والعشرين» كي يرى ما سيكونُه حينها،ولم يعرفْ بعدُ ما دلالة هذا الرقم، ولم يكن على درايةٍ حينها بروايةِ «الساعة الخامسة والعشرين».
**وعى أنه لم يخطط لأمر؛ فسارت به الرياحُ رخاءً إلى حيثُ لم يُقدِّر، ولم يصر شيخًا ولم يتخصص في الأدب، وجرت تحولاتٌ في حياته استوعبتها الصدفُ المجردة، وحين يختارُ اللهُ - جلت ذاتُه- فله الأمر من قبلُ ومن بعد.
**كذا الفردُ؛ يُعذرُ إذا لم يعِ كيف يسعى لقادمه؛ فلم نتعلم سوى «ترك المقادير تجري» كما تشاء، لكننا لن نعذر أمةً لا تستطيع رسمَ خطوط غدها؛ فكأنها ارتهنت لجدب تأريخها الذي تختزله سنواتٌ من الإنجاز وقرون من الهزائم، وحين هبت عواصفُ التغيير اقتلعت معها مقدرته على الفهم وعززت سلطة التخرص والوهم.
** ليس أسوأ من محللي كرة القدم سوى محللي أحداث الكرة الأرضية؛ وبمقدار ما يلجأ أولئك إلى تغليب التخمين والهوى؛ فأولاءِ يقدمون قراءاتٍ معزولةَ لا تتجاوز أفق اليوم وأمسه دون أن يستطيعوا التقدم نحو الآتي القريب برؤيةٍ وثقة.
** لا عجب؛ فقد أخطأنا في قراءةِ تأريخنا كما كتابته؛ فصرنا طوائف ومللاً نقف بباب «السقيفة والجمل وكربلاء» نستجديها عوامل الكُرهِ والفرقةِ والصراع، ومن لا يجيد التعامل مع ما فات، ومعطياتُه آفاق، يصعب عليه استنطاق ما يأتي، وكله أنفاق.
**ضجيجٌ يملأ الفضاءات والمنتديات خِلوًا من الاستشراف؛ فالجميع يقرأ الحدث مثلما نراه ممهورًا بميوله وأحلامه، ولم يكن من الصعبِ الوقوفُ عند الحدث المجرد الذي فاجأهم بحصوله بدءًا وتغير مساراته منتهًى، وبدا بعضُنا منصرفًا عن المتابعة؛ فالوجوهُ تتكرر بملامحَ باردةٍ تستهلك إيماءات الأيدي وإيحاءات الشفاه والجباه.
** وإذ يمتلئ العالم من حولنا بمراكز دراسات المستقبل World Future Studies فإن ثقافتنا «السياسية» عاجزةٌ عن التنبؤ والتخطيط لما تحمله الفصول الأربعة، ولا نظن أن الأعوام القادمة محتسبةٌ في الذهنية العربية إعدادًا واستعدادًا رغم إجماعٍ على امتلاء الزمان بما قد يغير صورة الإنسان والمكان.
** التنجيم تعتيم.
ibrturkia@gmail.com