يقول توماس فريدمان منذ أكثر من قرن من الزمان كان قمر الإنجليز في بداية أفوله وهم يقفون على ساحل الأطلسي ينظرون غربا باتجاه أمريكا العملاقة بمبانيها الجديدة ومصانعها العظيمة ومدارسها وجامعاتها، ولابد أنهم كانوا يقولون: «يا ربي!» وفي الواقع أفَلت الولايات المتحدة
وبريطانيا العظمى ومعظم أوروبا، والآن نجلس متطلعين عبر المحيط الآخر «الهادي»، الذي يسمى أيضاً بـ»الباسيفيكي»، إلى البنى التحتية الآسيوية تشيد ولسان حالنا الآن يجب أن يقول: «يا ربي».
كان بالإمكان أن يكون عنوان كتاب فريدمان، صاحب العمود الصحفي في صحيفة نيويورك تايمز وزميله مايكل ماندل بوم، كذلك، لكنهما أخرجا كتابا حديثا بعنوان: «هكذا كنا». وفي هذا الكتاب يصف المؤلفان بلدا «أمريكا» الذي كان صناعيا متطورا ومبتكرا متميزا ومثقفا غير عادي وسياسيا عمليا ومنصفا نسبيا. ويؤكد فريمان أنهم، بدون أدنى شك، قد ضلوا طريقهم. وبدأت المشكلة بعد انتهاء الحرب الباردة، ويقول: « إننا ارتكبنا خطأ جسيما يتمثل في: «قراءة خاطئة» لبيئتنا، كما ظننا أنا خرجنا من الحرب الباردة منتصرين». في الوقت ذاته برز على الساحة «الجيل الأمريكي الجديد»، عندها بدأت أمريكا في التحول من جيل أسس على «القيم المستدامة» إلى جيل مؤسس على «قيم وقتية»، مبنية على شعار «اقترض واستهلك». وسوف يسأل «الجيل الشاب» لكونهم لم يتبعوا خطوات آبائهم.
كما تحول العالم بعد الحرب الباردة من عالم متصل إلى عالم ذي اتصال مهول، وهذا العالم المتصل، الذي سبق أن ألف فريدمان كتابا سابقا عنه بعنوان «العالم المسطح»، قد تطور بمراحل منذ عام 2004م أثناء انشغاله في تأليف الكتاب المذكور، بل إنه خلال السنوات الست الماضية يعتقد فريدمان أن أشياء كثيرة قد تطورت أو تغيرت. ومع العولمة لم يعد أثرياء أمريكا يسهمون مثلما كانوا في الماضي، أو مقارنة بغيرهم في مناطق أخرى من العالم، ولم يعد لمديري المؤسسات الكبرى أصواتا في قضايا التعليم أوفي البنى التحية. وتعاني أمريكا من الكوارث الاقتصادية التي ليس للأثرياء ولا للسياسيين حلول لها، أو لم يعد هنالك تطابق في وجهات النظر بين هذين المعسكرين، مما يحتم ضرورة وجود حزب سياسي ثالث ليقدم بدائل لا يقدمها أي من الحزبين السياسيين القائمين حالياً.
alshaikhaziz@gmail.com