تاريخ العلاقات التركية الإسرائيلية يتميز بالسرية التامة ونما باتفاق الطرفين بأن يبقى بالظل خشية تكهرب العلاقات التركية العربية، وبالذات في الخمسينيات وإعلان حلف بغداد بمهندسيه نوري السعيد وعدنان مندريس ومحاولتهما جر بعض الدول العربية لتشارك تركيا والعراق في تأسيسه وركزا على مصر ومحاولة إغراء الرئيس الراحل عبدالناصر لدخوله للحلف، وبالتالي تحل كل القضايا الإقليمية في الشرق الأوسط إلا أن رفض عبدالناصر للمشروع وتطابق هذا القرار السياسي مع اعتذار الملك سعود «أسكنه الله فسيح جناته» لاستقبال وفد عراقي يحمل نفس الطلب وبقي الحلف بأركانه الأربعة إيران وتركيا وباكستان والعراق وبمظلة إنجليزية.. في هذه الفترة الهامة بأحداثها على المسرح السياسي التركي وانضمامها لحلف شمال الأطلسي «الناتو» وتسجيلها كعربة جديدة في القطار الأنكلو-أمريكي تحفزت إسرائيل لعقد اتفاقات سرية مع الحكومة التركية مستخدمة طابورها الخامس المتمثل «يهود الدونمة» والذين حملوا أسماء إسلامية بولاء يهودي وهي المجموعة التي ساهمت في انقلاب «حزب الاتحاد والترقي» للانتقام من رفض السلطان عبدالحميد الثاني لعرض شراء فلسطين مقابل تسديد ديون السلطنة العثمانية للدول الأوروبية المقدم من مؤسس الصهيونية هرتزل!
وحين إعلان القرار الأسود للأمم المتحدة في 1948م بقيام دولة بالكيان الصهيوني في مارس 1949م وتلتها إيران وأثيوبيا! وعينت تركيا على أثر ذلك السفير سيف الله أسين أول سفير لها في إسرائيل وظهرت متانة هذه العلاقة المستترة إثر زيارة رئيسة وزراء تركيا تانسو جيلر وأعقبتها زيارة الرئيس سليمان ومميزا لإشهار هذه العلاقة الاستراتيجية المتينة.
لقد أدركت الدبلوماسية التركية كذب ومراوغة واستعلاء المفاوضين الإسرائيليين حين إدارتهم كوسطاء بين السوريين والإسرائيليين في إمكانية تحقيق السلام، وأنهت إسرائيل هذه المبادرة التركية دون التشاور مع الجانب التركي! وشكلت إهانة السفير التركي لدى «تل أبيب» بإجلاسه على مقعد منخفض عن مستوى الطاولة التي أمامه وتركه لأكثر من ساعة في صالة الانتظار في دائرة المراسم الصهيونية وساندت بعض وسائل الإعلام التركية العميلة لإسرائيل لاحتجاجها على بث مسلسل تركي «وادي الذئاب» والذي تبين وحشية الصهاينة ضد أبناء فلسطين وتحريض حزب العمال الكردستاني «P.K.K» ضد الحكومة التركية ومدهم بالسلاح والمال!
وجاءت حادثة الاعتداء الوحشي على سفينة الإغاثة الخيرية لشعب غزة المحاصر واستيلاء الكوماندوز الإسرائيلي على سفينة «مافي مرمرة» وقتل تسعة من ركابها من الأتراك وإهانة جل طاقمها! وطلبت الدبلوماسية التركية من المجتمع الدولي التأثير على إسرائيل بالاعتذار للدولة التركية وأسر الشهداء إلا أن الرد الإسرائيلي جاء مكابراً معلنا الرفض التام للاعتذار وساعدها حلافاؤها بنشر تقرير من الأمم المتحدة يذوب الحادثة البشعة ومنح إسرائيل حق الدفاع عن النفس!
وإثر انتظار طويل جاء القرار التركي بسحب سفيرها من تل أبيب وجعل المستوى الدبلوماسي على مستوى «الملحق الثاني» وهذا الإجراء في العرف الدبلوماسي يأتي مرحلة قبل قرار «قطع العلاقات».
ويشكل الإعلان التركي عن مرافقة ثلاث فرقاطات حربية لحراسة سفينة الإغاثة المقرر تحركها لفك الحصار عن غزة الشهر القادم حدثا خطيراً في سجل العلاقات الدولية في منطقة الشرق الأوسط وتأثيراتها الدولية وستسعى إسرائيل بخبث وغدر الأفعى ذات القرنين السامة بالالتفات حول هذه الأزمة المرتقبة بترحيلها نحو قرار أممي من مجلس الأمن حين اقتراب هذه القطع البحرية التركية لمياهها الإقليمية متضمنا اعتذاراً ضمنياً مطلوباً من إسرائيل وستذوب المشكلة بين صفحات قرار مجلس الأمن والذي سيكون بصياغة إسرائيلية!.
هيئة الصحفيين السعوديين - جمعية الاقتصاد السعودية