هناك شيئان يفخر بهما الأستاذ الجامعي، أولهما هو «الديمقراطية» التي تميز بيئة العمل، إذ لا يستطيع أيا كان أن يتخذ قراراً أكاديمياً بصفة منفردة، حيث هناك مجالس الأقسام ومجالس الكليات والمجلس العلمي ومجلس الجامعة، وهي دورة طويلة يتعين المرور بها قبل اتخاذ أي قرار أكاديمي، خصوصا تعيين أعضاء هيئة التدريس. وعلى عكس كل الجهات الإدارية، فإن «القوة» في اتخاذ القرار ليست للجهة الأعلى - مجلس الجامعة- بل للجهة الأدنى - مجلس القسم-، وهذا يعني أنه من الصعب - وليس المستحيل- أن ينقض مجلس الكلية أو حتى مجلس الجامعة قرارا اتخذه القسم، وهذه ميزة يفخر بها كل من ينتسب للعمل الجامعي. أما الميزة الثانية، فهي تدوير المناصب، فكل أعضاء هيئة التدريس يحملون الشهادة العليا نفسها، ولذا تجد رئيس القسم والعميد وحتى مدير الجامعة أو وكيلها، يعود بعد انتهاء عمله الإداري إلى مهنته الأساسية «التدريس»، ويصبح زميله المرؤوس سابقا رئيسا له لاحقا، وبهذا يصبح المنصب في الجامعة تكليفا وليس تشريفا، ومعظم أساتذة الجامعات يدركون هذا ويفخرون به.
والعملية التعليمية لها أركان عدة، وأبرزها « الأستاذ»، الذي متى ما تهيأت له الظروف المناسبة، فإن بإمكانه أن يساهم في خلق جيل متميز من الخريجين الذين سيساهمون في بناء الوطن، والعكس صحيح. ولعلنا نؤكد هنا على الجهود الكبيرة الذي يبذلها معالي مدير جامعة الملك سعود الصديق عبدالله العثمان منذ أن تسنم منصبه، سواء ما يتعلق بالبنية التحتية والتجهيزات، أو على المستوى العلمي والأكاديمي، فقد دفن «الروتين والبيوقراطية»، وكبر عليها أربعا، ما ساهم في تسهيل إجراءات أمور كثيرة تتعلق ببنود الصرف المالي من جهة، وتسهيل أمور أعضاء هيئة التدريس فيما يتعلق بإجراء البحوث وحضور الدورات والمؤتمرات العلمية، والتي تعتبر الزاد الرئيس لعضو هيئة التدريس الجامعي.ولعل من المناسب أن أشير هنا إلى طرفة يتناقلها الساكنون في محيط جامعة الملك سعود، والذين يقولون إنهم سيطلبون من الدكتور العثمان «بدل نظارات»، حيث إن الأعمال الإنشائية الضخمة والمتميزة داخل الحرم الجامعي، والتي تقدر بالمليارات تسبب «الغبار الدائم»، وهو ما يضطر السكان إلى مسح نظاراتهم الطبية باستمرار، وبالتالي تلفها وضرورة استبدالها!.
ومع كل هذه الجهود الكبيرة، فإن الأخطاء البشرية تظل واردة، ولذا تصلني بين الحين والآخر شكاوى من بعض زملائي بالجامعة وأحجم عن الكتابة عنها من منطلق أن من يعمل بجد وإخلاص مثل الدكتور العثمان لا بد وأن يخطئ، وهي علامة صحية على أي حال.
إن أحد أهم المشاكل التي عانت منها الجامعة مؤخراً هي «التعاطي مع الإعلام» والذي جلب للجامعة مشاكل كانت في غنى عنها. ومن منطلق عملي على مدى السنوات الماضية في هذا المجال، فإنني أدرك أن الإعلام سلاح ذو حدين فما يقال أو يكتب بهدف «الإشادة» قد يأتي بنتائج عكسية تماما، وهنا تأتي خطورة هذا السلاح المزدوج. إن مناسبة هذا الحديث عن «الأستاذ» و»الإعلام» هو التصريح الذي أدلى به الدكتور العثمان مؤخرا، والذي حثني كثير من زملائي بالجامعة على الكتابة عنه، وإبلاغ عتبهم لمعاليه، وهو عتب المحبين على أي حال. لقد قال معاليه متحدثا عن شريحة من زملائه أعضاء هيئة التدريس بالجامعة إنهم: «تقليديون ينتجون «طلابا فاشلين!».
وللحديث بقية.
amfarraj@hotmail.com