بدأت طرابلس العاصمة الليبية التي تحول إليها المجلس الانتقالي في ليبيا الذي يدير السلطة في البلاد، والذي يحظى بتأييد قوي من الليبيين ومن المجتمع الدولي على حد سواء، بدأت تستقبل قادة الدول المؤثرة ومبعوثيهم، في تأكيد عملي على تعزيز الدعم السياسي للمجلس الانتقالي، وأيضاً لتأكيد الحضور لتلك الدول. فبعد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، حلَّ رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في طرابلس ومعه 250 من رجال الأعمال الأتراك، وقبل ذلك توافد على بنغازي وطرابلس العديد من المبعوثين الأوروبيين وحتى الأمريكيين والروس والصينيين، بعضهم لتقديم الدعم السياسي والعسكري، إضافة إلى معرفة ما سيحصلون عليه من (كعكة) إعادة إعمار ليبيا وعقود النفط التي تمثل مطمعاً لا يمكن إخفاؤه سواء من كانوا يمتلكون تلك العقود أو المنافسين الجدد.
لا بأس أن تشهد طرابلس تدفقاً من قادة الدول بغض النظر عن أهداف تلك الزيارات، فهي -لا شك- ترسخ الاعتراف الدولي بالحكم في ليبيا، وتساعد في إنهاء حرب مطاردة دكتاتور ليبيا السابق الذي سيجد نفسه منبوذاً وممنوعاً من دخول حتى تلك الدول التي كان يغدق على حكامها أموال الشعب الليبي. إلا أنَّ التنافس على تعزيز النفوذ السياسي والتسابق على اقتسام الغنائم الاقتصادية في هذا البلد الذي لا يزال يخوض معركة التخلص من الحكم الدكتاتوري يُعد تحركاً سابقاً لأوانه، لأنَّه يحرج من يمسكون بزمام الأمور والسلطة في ليبيا، ويشتت من تركيزهم في معركة التخلص من العقيد القذافي، كما أنَّه يفسح المجال لمزيد من الخلافات بين الثوار أنفسهم الذين قد يميل البعض منهم إلى تلك الدولة والآخر إلى دولة أخرى، في ظل ما يبذل من محاولات من تلك الدول لتكوين مناصرين لها.
الشعب الليبي حتماً يشعر بالامتنان، وقد عبَّر عن شكره لكل من ساعده في معركة التخلص من الدكتاتورية، إلا أن تاريخ ومسيرة الشعب الليبي يرفضان أي هيمنة سياسية أو سيطرة اقتصادية لأي جهة دولية حتى وإن ساعدتها في حرب التحرير من الطاغية.