في إحدى حدائق باريس قابل كلب فرنسي كلبا روسيا قادما من روسيا حيث تغيب هناك حرية الرأي والتعبير، سأل الكلب الباريسي الكلب الروسي قائلا له: أعتقد أنك جئت إلى مدينتنا باريس لكي تغازل الكلاب الباريسيات، نفى الكلب الروسي ذلك. عاد الكلب الباريسي ليقول للكلب الروسي: إذن أنت جئت إلى باريس لتتذوق الجبنة الفرنسية، نفى الكلب الروسي ذلك أيضا. عاد الكلب الباريسي ليقول للكلب الروسي: إذن أنت جئت إلى باريس لكي تشم العطور الباريسية، مرة أخرى نفى الكلب الروسي ذلك ثم قال لصاحبه الفرنسي: أتيت من روسيا إلى باريس لكي أنبح فقط. حتى الكلاب في روسيا تكتم أنفاسها ولا يسمح لها بالنباح. هذه الطرفة أتناولها كمدخل لموضوع هذه المقالة مع احترام فارق التشبيه.
في مدارسنا اعتاد طلابنا على عدم منحهم الفرصة لكي يبدوا وجهات نظرهم الخاصة حيال ما يثار في الدرس من موضوعات، ففي الغالب يميل معلمونا للأسف إلى السيطرة التامة على كل ما يجري داخل الفصل، ويعززون لدى طلابهم فضيلة الصمت والتسليم التام بكل ما يسمعونه من معلميهم. من تجربتي الشخصية كأستاذ جامعي أجد صعوبة في استنطاق طلابي لكي أحصل منهم على رأي شخصي حيال ما يثار في المحاضرة من قضايا علمية واجتماعية، وإذا تجرأ أحدهم وتحدث فيغلب على حديثه ضحالة المفردات والتلعثم والتردد. قد لا ألومهم فقد كانوا في التعليم العام يتعلمون تحت مطرقة الخوف والتعنيف من معلميهم، لقد وجد طلابنا في الصمت الأمان التام من المشاكل التي قد تلحق بهم فيما لو أبدوا رأيهم الشخصي، أقلها الاستهزاء بهم، واتهامهم بالجرأة على سلطة المعلم، الذي يجب أن يكون في نظر الطلاب ممثلا لسقف المعرفة والمرجعية العليا التي لا تخطئ.