* في السفر قد يدفعك الفضول، أو الفراغ، أو حب الاستطلاع، أو الاستزادة من الثقافة، تدفعك إلى استجلاء ظاهرة من الظواهر، أو تقليد من التقاليد، أو هموم أقلية من الأقليات، هذا ما رصدته في (السويد)، من رحلة قصيرة نظمتها (جمعية الكشافة) أجمل ما فيها مضمون شعارها (رسل السلام)، وكأنهم بذلك يعيدون للعالم ثقة الإنسان بأخيه الإنسان، وهم يصطرعون على وجه البسيطة.
* دائما نجتر الصورة السالبة عن الإفرازات التي تنتجها بعض المآسي والآلام من الأحداث الجسام التي لحقت ببعض أقطار العالم العربي خلال (قرن من الزمن) أو تزيد، بدءا من حوادث (فتنة الستين) في بلاد الشام، منتصف (القرن التاسع عشر للميلاد)، التي أججها الاستعمار الأجنبي، وانتهاء بسقوط (بغداد) خلال هذا العقد. ساعات محدودة يكوّن منها الإنسان انطباعات كثيرة إيجابية عن (الجاليات العربية)، ترصد هواجس الناس هناك، وأحلامهم، تعرف من خلالها اتجاهات مستقبلهم، تقف على ما يريدون منك، شعورهم تجاه وطنك، وهم يعبرون عن ذلك في أجواء من الحرية.
* لكل نكبة من النكبات إن جاز تسميتها بذلك، وإلا قد تكون المنح في المحن، أقول لكل ظرف من الظروف جيل، قد يعي، أو لا يعي ظروف من سبقه، قد تتحد ثقافتهم الخاصة، وقد تتباين، لكن يبقى الجنس، والتاريخ، واللغة، والقيم هي القاسم المشترك بين كل تلك الأفواج المتلاحقة من (المهجّرين)، أو (المغتربين).
* من حسنات الغربة وهي كثيرة، تلاشي الانتماءات المذهبية التي كانت في بعض صورها من أسباب النزوح، أو على الأقل اختفاء أسباب الصراع، فبيئة المهجر، وظروف الحياة، قد لا تسمح بتأجيجها، والانصراف إلى مثل هذه الهموم الثانوية عند من ينشد الأمن، وهو (أساس الحياة) بالدرجة الأولى، وقد يكون تجاهلها والابتعاد عنها، أو محاولة تحييدها ردة فعل لما لاقوه من ويلاتها ومآسيها في الوطن الأم.
* فيما يبدو أن الجيل الرابع من حركة المهاجرة في العصر الحديث (للقطر العراقي) النصيب الأكبر، ولم تكن فردية كما كانت سابقاً، بل الظروف دفعت بنزوح الأسرة كاملة، وبأطياف مختلفة، وهم فيما يبدو على درجة كبيرة من العلم، والثقافة، والوعي، والثراء أحيانا،مما جعل فرصة التعايش والاندماج، وبناء حياة جديدة مهيأة لهم أكثر من غيرهم من الجنسيات الأخرى.
* هناك فعلوا ما لم تفعله السياسة، أو الحكومات على تكامل مؤسساتها، فإقامة بعض (الروابط الثقافية)، و(النوادي الاجتماعية)، و(المؤسسات التعليمية) كانت هاجساً أولياً، حفاظا على الموروث الفكري والثقافي والقيمي الذي هاجروا به، واستشعروا أهميته في بيئات قد تعصف ثقافتها بأسرهم، هناك أوجدوا، أو حاولوا إيجاد بيئة خصبة لنشر ثقافتهم لغير العرب، هناك وبفضلهم لم يعد اللسان العربي غريبا، ولم تكن ثقافة العرب تحتاج إلى سياسة تفرضها، أو تقودها، هناك بالفعل أمجاد عربية في بيئات غريبة.
dr_alawees@hotmail.com