مع روحانية رمضان ونفحاته يظل للمذياع عبقه وذكرياته التي ارتبطت فيه كوسلة وحيدة في زمن من الأزمان غير أنه -وأقصد المذياع- لم يبق ثابتاً في مكانه رغم ما توالى عليه من الوسائل بما تمتلك من قوة في الجذب والإغراء إلا أنه وحسب تقديري بزها بسببين: الأول: لما يتصف به من خاصية لا يمكن أن تتحقق في الوسائل الجديدة مهما بذل فيها، ألا وهي بناء عنصر الخيال لدى المستمع، والسبب الثاني: لما يسر الله للإذاعة من الإذاعيين الذين عاصروها فأحبوها وأعطوها كل حياتهم وسخروا لها كل إمكانياتهم الفكرية والمعنوية حتى غدت الإذاعة السعودية مقصد المستمع ومهوى الآذان إنصاتاً ومتابعة، ولا أدل على ذلك من حصدها الجوائز تلو الجوائز دولياً وعربياً وخليجياً، وما دفعني لكل ذلك هو العبق، نعم فلقد شدني البرنامج الأثيري (من عبق الماضي)، والذي يبث من إذاعة الرياض ومذيعته المتألقة دائماً فاطمة العنزي التي استطاعات أن تطوف مناطق المملكة، ومحافظاتها للقاء بكبيرات السن من الأمهات الفاضلات اللاتي أتحفننا ولا زلن يوافيننا بصور من حياة الآباء، والأجداد، والعادات والتقاليد الرمضانية في كل شبر من مملكتنا الحبيبة.إن هذا المسعى بين الانتشار الأفقي للوصول إلى المحافظات ولمراكز والذكريات أينما كانت، وبين البعد العمودي الممتد إلى ذاكرات عاشت تلك الأيام واستدعتها في لحظات تعز فيها الكلمات، كل ذلك جعل من قلمي يتجه صوب الورقة طيعاً دونما عسف أو توسل أو رجاء.ومما شدني أكثر هي تلك النبرة الصادقة في محبة خالصة من رعاية وفية لقيادة حكيمة، فكم من أم خاطبت المليك في هذا البرنامج بدعاء صادق بأن يحفظ الله عبدالله بن عبدالعزيز إخوانه وحكومته الرشيدة وأن يديم عليه صحته ويحرسه من كل مكروه، وتأتي هذه الدعوات على لسان تلك الأمهات لتقارن وضعنا بمن جاورنا يميناً ويساراً في حمد لله وثناء مستمر بأن يحفظنا في وطننا ويحمي قيادتنا.
إنني وأنا أتابع حلقات هذا البرنامج الذي يذاع عند الثانية عشرة والنصف ظهراً، ويعاد عند الثالثة والنصف فجراً، لأجد نفسي في أجواء غامرة مع الحنين للزمن الجميل الذي يعبق بصفة دائمة لحظات الاستماع.ومن هذا المنطلق فإني أناشد دارة الملك عبدالعزيز، وعلى رأسها معالي أمينها العام الدكتور فهد بن عبدالله السماري وهي بيت الخبرة المختص برصد تاريخ وثقافة وتراث هذا الوطن، بأن يتم الاستفادة من هذا البرنامج، وأمثاله واعتبار حلقاته وثائق أصلية تسجل تاريخ الوطن في لوحات مضيئة تخط بماء الذهب، من خلال رصد شخصياته ونقله من أفواههم، للحفاظ عليه من الاندثار.
وختاماً كم كنت أتمنى من إذاعتنا مزيداً من الإعلان والتنويه لمثل هذه البرامج القوية المؤثرة التي أثق بأن من يستمع لحلقة واحدة منها، فسيتابع دون إرادة ما تبقى من حلقات.
كما لا يسعني إلا أن أشكر أمهاتنا اللائي شاركن في حلقات البرنامج، ومذيعتنا المبدعة، والشكر موصول لإذاعتنا الوفية والقائمين عليها، وإلى مزيد من البرامج التي تشد المستمع وتفيده في ظل منافسة هي من يفوز بها.
دمتم بوفاء وصحة وسلامة، وكل عام وأنتم بألف خير.