تهاوت عروش عربية عتيقة عتيدة ما كان أحد يتوقع انهيارها وبهذه الطريقة المزلزلة لجميع أركان تلك الأنظمة المتهاوية، رغم أنها كانت تعضّ على السلْطة بالنواجذ والمخالب، فمن الذي أسقطها هذه السقطات المدوية؟ لقد تعددت الأسباب والتحليلات والتقارير، بيْد أن النتيجة واحدة .
فهل سبب السقوط هو الاستعمار الغربي الأمريكي الجديد؟ الذي من المؤكد أن لهم مصالح عديدة من وراء تشرذم الشعوب العربية والإسلامية وبالتالي تمزيق دولها وتفتيتها لتحقيق غاياتهم تجاه هذه الدول وهو تقسيمها لتقزيمها، على أساس أنها الآن هي عدوهم الأوحد الذي يشكل خطرا على ربيبتهم المتعالية إسرائيل، فالعرب يحيطون بها من كل جانب، لاسيما وهي التي تحفظ مصالحهم في الشرق الأوسط، فهم بهذه الفتن يضمنون انشغال الشعوب العربية بأنفسهم في ظل فرحة التغيير وبأسباب الفراغ السياسي والدستوري.
ولكن الذي لابد من الإقرار به هو (أن هذا ليس هو السبب الوحيد) على الإطلاق، وإلا لما تنوعت طرائق السقوط الرئاسي في كل بلد عن الآخر، مما يدل دلالة واضحة على أن شعوب تلك الأوطان هي التي كانت تتمنى زوال عروش حكامها الذين طال بقاؤهم جاثمين على صدورها عقودا مديدة، وفي ذات الوقت كانت تتحين الفرصة السانحة للانقضاض على تلك العروش بكل ما تستطيع، حتى أرادتها الأقدار الإلهية الحكيمة العادلة.
إذن الزعامات العربية المستبدة هي التي ساهمت أخطر مساهمة في اضطرار شعوبها لعدم رفض أية وسيلة إنقاذ تعينها على التغيير لعله يكون نحو الأفضل، متوخين سبيل القاعدة الفقهية القائلة (عند الضرورات تحل المحرمات)، فسيل الدماء الشعبية المسكوبة وطوفان جماجمهم المطاحة، من قبل الرئاسات الاستبدادية التي توهمت أنها امتلكت الأرض ومن عليها؛ جعل القوى الكبرى تجد لها مكانا في البلاد العربية والإسلامية المنكوبة.
فبذلك ساهم أولئك القادة المستبدون في استمرارية السيطرة الغربية سواء أثناء خنوعهم لتلك القوى الأجنبية ثمنا لديمومة بقائهم في الرئاسة، أم في محاولة شعوبهم الثائرة لاجتثاثهم من سدة الحكم التي تمركزوا فيها لعقود طويلة، بل لهثوا ساعين للتوريث العائلي دون مراعاة لمشاعر شعوبهم أو عقلياتهم ؛ فهم لن يتزحزحوا من مواقعهم إلا بقوة أقوى بكثير من قوتهم، وبطش أشد من بطشهم ؛ فبذلك كانوا ومازالوا هم سبب بلاء أمتهم، وسيطرة عدوهم.
إن المراقب لمعاناة الشعوب العربية سابقا ولاحقا يلحظ أن كثيرا من أسباب هذه المعاناة تتفجر من أخطاء حكامهم وسوء تخطيط سياساتهم وسلوكيات إداراتهم أولاً وأخيراً، مما أعطى الأغراب مبررات قوية وفرصا سانحة لتحقيق أطماعهم في الأوطان العربية والإسلامية وهدر كرامتها عن طريق ادعاء إنقاذ شعوبها المغلوبة على أمرها داخلياً وبالتالي خارجياً.
لذا فإن كان هناك من نصيحة تذكيرية لجميع زعماء العرب لعلها تلقى آذانا صاغية منهم أو من محيطيهم ؛ فهي ضرورة تطبيقهم القاعدة الإسلامية الحياتية العظيمة المتمثلة في القول النبوي الشريف: (من التمس رضا الله بسخط الناس رضي الله تعالى عنه وأرضى الناس عنه، ومن التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس}، فقد جربوا كافة السبل غير الحميدة التي نبه عليها النصف الثاني من هذا الحديث الشريف، فلم ينلهم إلا الخسران المبين هم وشعوبهم، فليجربوا إذن الشطر الأول من هذا القول الحكيم لعلهم ينقذون ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان.
g.al.alshaikh12@gmail.com