كان ولازال القضاء في المملكة محل اهتمام المسؤولين والمواطنين، فهو يعتبر العمود الفقري في حركة تطور أي مجتمع على وجه الأرض، وذلك لأن في استيفاء الحقوق البناء والأساس الذي يدفع بمشاعر التفاؤل والثقة في النظام إلى الأمام، ومع ذلك لازال الكثير يعانون من البطء الشديد في الأداء القضائي، ولازالت كثير من الحواجز البيروقراطية تمنع إيصال الحقوق إلى أصحابها لأسباب أحياناً يجهل المتابع فهمها، ويأتي على رأس هذه القائمة أداء اللجان الخاصة وشبه القضائية في الوزارات وبعض الإدارات، إذ يتحكم الإداري في قرار قبول القضايا إلى تلك اللجان، فيسمح ببعض ويرفض آخر، وفي حالة رفض قبول النظر في القضية أمام اللجنة شبه القضائية يدخل طالب الحق في دوامة قد تمتد إلى سنوات، فالمطلوب منه بعد ذلك أن يرفع قضية ضد الوزارة أو الإدارة أمام ديوان المظالم من أجل إجبار اللجنة القضائية للنظر في قضيته، وفي ذلك تعطيل لفرض تحقيق العدالة.
في ديوان المظالم وبالتحديد في المحكمة الإدارية تبدأ سلسلة من المرافعات بين الإدارة الحكومية وبين طالب الحق، فالإدارة المانعة النظر في القضية يُطلب منها أن تقدم أسباب عدم السماح للجنة النظر في القضية، وفي موعد الجلسة يتم تسليم طالب الحق سواء كان مواطناً أو وافداً مذكرة الرد من الإدارة الحكومية لعدم الاختصاص، وذلك للرد عليها في جلسة قضائية أخرى بعد عدة شهور، وبسبب البيروقراطية يتم إدخال المواطن في قضية ليس طرفاً فيها، فالمواطن يبحث عن جهة تنظر في قضيته، ولا يجب أن يقوم بدور المرافع القانوني في قضية الاختصاص أمام ديوان المظالم، إذ كيف يستطيع المواطن غير المتخصص أن يكتب أو يعلم عن قضايا اختصاص اللجان شبه القضائية، هذا بالإضافة لمخالفة ذلك لشروط العدالة، فالإرغام الذي كان سببه إلحاح المواطن يؤثر على عدالة اللجنة شبه القضائية وأحكامها حين النظر في القضية.
قد تدخل القضية في مآرب أخرى عندما يكون الأمر جلياً، وذلك عندما تكون القضية على سبيل المثال اختصاصية، وتتطابق مع أهداف تأسيس اللجنة من قبل الأمر السامي، مثل أن تكون القضية تجارية أو عمالية أو إعلامية، ثم يتم رفض النظر لأسباب غير واضحة فيها أمام اللجنة الخاصة شبه القضائية، وبرغم من عدم وجود لجنة متخصصة أخرى في المنطقة تنظر في الأمر، وبالتالي يتم تمييع القضية ثم قتلها في مسار بيروقراطي طويل في ديوان المظالم، وكان من الأجدر والأقرب لروح العدالة أن يتم تحديد اللجنة المتخصصة في القضية من قبل المجلس الأعلى للقضاء قبل أن يتقدم إليها طالب الحق، وألا يُترك الأمر في يد البيروقراطي الذي يعرف كيف يقتل القضية، وبالتالي يعطل أو يمنع أن يستوفي مواطناً أو وافداً حقه الشرعي.
قد تتضح الصورة عند النظر في خلفية نظام تأسيس هذه اللجان إذ تشترك اللجان شبه القضائية في خاصية تجعلها تفقد استقلالها، إذ إنها في حقيقة الأمر تابعة لجهة تنفيذية، كما أن أحكامها تشترط موافقة الإدارة التنفيذية، كما أنها تتشكل من عناصر غير متخصصة في القضاء، كما أن أحكامها لا تتمتع بالشرعية التي تحظى بها المحاكم الشرعية، ومع ذلك يقف الإداري التنفيذي ضد استقلاليتها وتعطيل عملها، مما يشوه مسار تحقيق العدالة في الممملكة ويجعل من تصحيح وضع هذه اللجان أمراً عاجلاً.
ديوان المظالم قضاء إداري يؤدي أدوراً هامة في مراقبة تحقيق العدالة في المجتمع، ولا يجب إشغاله في قضايا الحكم بالاختصاص أو عدمه، كذلك لا يصح أن يقوم المواطن بدور المحامي الذي يرافع في قانونية نظر اللجنة شبه القضائية في قضيته، إذ إن في ذلك مضيعة للحقوق وفيه إشغال للديوان، وأخيراً كيف يستطيع المواطن أن يفهم خلفية قوانين اللجان واختصاصها، بينما من الأصح قضائياً أن يقوم بذلك الدور مكتب إداري قضائي يحدد اللجنة المتخصصة للنظر في قضية طالب الحق، ويأمل كثيرون في أن يجد معالي الشيخ الدكتور صالح بن حميد رئيس المجلس الأعلى للقضاء حلاً قضائياً لهذه الضبابية البيروقراطية في عمل اللجان شبه القضائية التي تهدر الحقوق والمال والوقت، والله ولي التوفيق.