قلت في المقال السابق: إن عتب بعض أساتذة جامعة الملك سعود على معالي الدكتور العثمان سببه وصفه لهم بأنهم «تقليديون ينتجون «طلابا فاشلين» !، وتأكيده على أنه لن يدخل قاعة التدريس مستقبلا إلا من لديه «رخصة مهنية». بعد هذا التصريح، تلقيت اتصالات من زملائي بالجامعة يطلبون مني الكتابة عن هذا الأمر، وإيضاح أنه لا مشكلة لديهم في الحصول على «الرخصة المهنية» وإنما عتبهم مرده إلى الطريقة التي تم بها الحديث عن هذا الموضوع - أي من خلال وسائل الإعلام-، خصوصا وأن معظمهم أمضوا سنوات طويلة في التدريس الجامعي.
قلت لزملائي: إن ما سبق لم يكن تصريحا لمعاليه، بل جزءاً من محاضرة تتعلق بتطوير قدرات «الأستاذ الجامعي»، وقد أبرز الإعلام «العبارة السابقة» من باب الإثارة، والتي تعتبر لعبة الإعلام الكبرى. إضافة إلى ذلك، فإنني زاملت معاليه في مجلس الجامعة لفترة غير قصيرة أثناء عملنا عمداء بالجامعة وأعضاء في مجلسها الموقر، كما عملنا سويا في بعض اللجان، وأعلم أنه شعلة لا تهدأ من النشاط، مع تمتعه بأخلاق عالية وتواضع جم، ولذا، أؤكد على أنه لم يقصد بأي حال الانتقاص من قدر زملائه، بقدر ما هي محاولة منه لاستفزاز مكامن «التميز» في دواخلهم ليساهموا في مسيرة الجامعة نحو العالمية. ثم طلبت من الزملاء أن ننظر إلى الأمر بواقعية، ونعترف أن نظام «مجلس التعليم العالي» الحالي يعطي ما يشبه «الحصانة» للأستاذ، وهو ما يستغله - للأسف - بعض الزملاء بطريقة تسيء إلى مكانة الأستاذ والعملية التعليمية برمتها. كما أنني ذكرتهم بوقائع بعينها لأساتذة، ما زلنا نتذكرها ونستغرب حدوثها في أهم جامعة وطنية. أيضا، فإن العثمان لم يتحدث عن أساتذة جامعته بعينهم، بل كان يتحدث عن الأستاذ الجامعي عموما، مبينا أن الأستاذ يجب أن يكون «فاعلا» لديه القدرة على الارتقاء بمهارات التفكير، لا ناقلا للمعلومة فقط، وهو رأي نتفق معه جميعاً. وسواء اتفقنا مع العثمان أو اختلفنـا، فـإن المـؤكد أنه أحـدث «زلزالا علميـا وإداريـا» في أهم وأعرق جامعاتنا لم يحصل له مثيل منذ زمن طويل، وقد ساهم ذلك في تحفيز العاملين بالجامعة، وإعادتها إلى موقعها الطبيعي كرائدة لمسيرة الوطن التنموية. ولذا، أتمنى أن يحذو مسؤولونا حذوه في جميع القطاعات، خصوصا قطاع «التعليم»، وأنا على يقين أن هذا ما يحتاجه الوطن في الوقت الراهن. لقد تحدث العثمان عن إعادة صياغة «نظام مجلس التعليم العالي»، لتكون علاقة الأستاذ بالجامعة «علاقة تعاقدية مبنية على الإنتاج»، كما هو الحال في الجامعات العالمية، ونحن معه في هذا المسعى الذي بالتأكيد سيحدث نقلة نوعية في تعليمنا الجامعي، ونتمنى - كما يطمح العثمان- أن تكون جامعة الملك سعود هي الرائدة لهذا التوجه المنشود.
وختاما، إن العمل الجبار الذي تم في جامعة الملك سعود خلال الأعوام القليلة الماضية سيظل أحد الشواهد الحية على القفزة التنموية التي يعيشها الوطن، والدكتور العثمان يؤكد دوما على أن ما تم كان سببه الرئيس الدعم المادي والمعنوي اللامحدود من قيادة الوطن، وتفاعل أبناء الوطن المخلصين، وعلى رأسهم رجال الأعمال وأساتذة وموظفو الجامعة.
فاصلة: «افعل وتلقى عند ربعك شهادة»، والحق يقال: «إن العثمان يقول ويطول»، ومن أراد أن يتأكد فليتفضل بزيارة جامعة الملك سعود.
amfarraj@hotmail.com