التصدي للانحراف الفكري والديني ومعالجته بالحوار والمناصحة والدراسة الواعية والمتأنية من خلال مشاركة أكبر عدد ممكن من العلماء والمفكرين والدعاة والمثقفين، أفضل وأنجع السبل لقضاء ومحاصرة ذلك الانحراف، ووأد الفتن في مهدها قبل استفحال أمرها. وظاهرة التكفير التي ابتُليت بها أغلب المجتمعات الإسلامية إن لم تكن جميعها، من أخطر وأكثر القضايا تأثيراً وتمزيقاً للمجتمع الإسلامي.
والمملكة العربية السعودية ليست بمعزل عن الدول والمجتمعات الإسلامية التي استهدفتها هذه الظاهرة المقيتة، فالمملكة ليست بمعزل عن العالم وقضاياه، وفتنة الابتلاء سُنَّةٌ ربانية نؤمن بها، ولكن -والحمد لله- فإنَّ لعلماء ومفكري المملكة ودعاتها الصدارة في طرائق التصدي والقضاء على هذه الظاهرة المحمومة، وذلك لما حباها الله من الإيمان الراسخ بنصرة الله وعونه، وبما امتازت به من قيادة حكيمة رشيدة تحمل هم الأمن والأمان في هذه البلاد الطاهرة التي هي مقصد لجميع المسلمين والذين ينظرون إلى ما يتم فيها على أنه نموذج يجب الأخذ والتأسي به.
وإذا كان بعض النفر قد طوَّح بهم الغلو في الدين والتشدد في التدين والتنطع في الدعوة إلى التشدد مما نتج عنه الخروج عن مبادئ الدين المبنية على العدل والإنصاف واليسر ورفع الحرج والتماس الأعذار لمن تصدر منه بعض التصرفات الجارحة، فلا شك في أن هذا الخروج البيِّن عن مبادئ الدين يستدعي التصدي له وإعادة الضالين إلى جادة الصواب. وهي مسؤولية يتشارك فيها ولاة الأمر والعلماء وطلبة العلم والمفكرون والدعاة وحتى المثقفون، فهؤلاء جميعاً عليهم واجب تحصين المجتمع المسلم والذود عنه بالعمل وبالفكر وبالحوار والمجادلة الحسنة، وإجراء البحوث والدراسات لمعالجة الخلل الذي أفرز مثل هذه الجماعات المتنطعة، وهنا تكمن أهمية المؤتمر الذي تحتضنه المدينة المنورة التي انطلقت منها الهداية والنور إلى العالم كافة. فهذا المؤتمر الذي يحمل عنوان «التكفير - الأسباب - الآثار - العلاج»، والذي تبدأ أعماله غداً الثلاثاء، يُعد انعقاده ضرورة علمية وعملية لمحاصرة ظاهرة تعاني منها جميع المجتمعات الإسلامية. وتكمن أهمية المؤتمر كونه ينعقد في واحدة من أفضل بقاع العالم، أيضاً يكتسب أهمية علمية متفردة كونه يُنَظَّم من خلال مؤسسة جائزة نايف للسنة النبوية والدراسات الإسلامية، بالتعاون مع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.