|
البحرين - جمال الياقوت
استقبل الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين، بحضور صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء وصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد نائب القائد الأعلى بمملكة البحرين، بقصر الروضة عددًا من العائلات البحرينية، وذلك في إطار لقاءات جلالته المتواصلة مع المواطنين الكرام. وفي مستهل اللقاء ألقى السيد فيصل محمد المحروس كلمة نيابة عن العائلات، قال فيها: يسعدني ويشرفني يا صاحب الجلالة باسمي وباسم جميع العوائل البحرينية، وما يمثلون من رجالات المجتمع ورجال أعمال ورجال دين وأكاديميين وأطباء ومهندسين ومدرسين ومن جميع المهن الأخرى الحاضرين في هذا المجلس العامر - بإذن الله تعالى - أن نتقدم لجلالتكم بخالص الامتنان والتقدير والعرفان والمحبة والشرف الرفيع، وأن نعبر لكم عن بالغ الشكر والتقدير لمنحنا شرف اللقاء بجلالتكم في رحاب هذا الوطن الكبير، بقيادتكم الحكيمة ومساندة شعبكم الكريم الوفي؛ لنتجمع ونؤكد الانتماء والولاء والتمسك بالشرعية الدستورية لقيادتكم الرشيدة، منطلقين جميعًا من بنود ميثاق العمل الوطني الذي أقرته الغالبية العظمى لشعب البحرين بنسبة بلغت 98.4 في المائة، كما نعتز بالمؤسسات الدستورية بوصفها رافداً مهماً من مشروعكم الإصلاحي الكبير، الذي استمر في تقدمه إلى الأمام بالحوار الوطني.
بعد ذلك تفضل العاهل البحريني بإلقاء كلمة، قال فيها: أشكركم على الحضور وعلى الكلمة الطيبة، وعلى كل حال الولاء متبادل والمحبة متبادلة، ونحن في خدمة المواطنين الكرام، والبلد الغالي، وكل ما أود أن أقوله وأهتم به هو أن نبقى دائمًا عائلة واحدة، وأسرة واحدة، متكاتفين متحابين ومتعايشين مع بعض، ومع جميع ما هو أصبح منّا، بيننا أناس آخرون يعيشون معنا، ويجب علينا بالفعل أن نقوم بواجبنا تجاههم، فحضوركم اليوم يسعد الجميع ويسعدني أنا شخصيًا، وهو مصدر قوة للعمل والمزيد من الإنتاج وتحقيق الأهداف التي تطور البحرين لمصلحة الجميع، لا يوجد شيء يقف عند حد معين ونقول أنجزنا وانتهى عملنا؛ فالعمل مثل العلم، من المهد إلى اللحد؛ فلذلك دائمًا الشعوب الحية وشعب البحرين يمثلون هذه الحيوية، لا يريدون إلا التطوير والتقدم والنماء في كل المجالات، وبالفعل على ما هو موجود من موارد وإمكانيات، فالحكومة الرشيدة برئاسة صاحب السمو الملكي العم العزيز أنجزت إنجازات كثيرة، واحتلت البحرين المركز العشرين على مستوى العالم والمركز التاسع والثلاثين والثامن والثلاثين، بل احتلت المركز الأول في العديد من المجالات، وكل ذلك بشهادة الأمم، وبشهادات خارجية دولية محايدة، وهذا إن دل فيدل على جهودكم أنتم، وعملكم ونشاطكم ونجاحكم في أعمالكم، من ينظر اليوم إلى البحرين وما حققته لا شك أنه يرى البحرين سباقة؛ فلذلك تلقينا الضغوط، وهذه الضغوط تجاوزناها في الماضي، وتجاوزناها في الحاضر، وستبقى في المستقبل، وسنتجاوزها بإذن الله. السر في نجاح البحرين هو قيم وأخلاق أهل البحرين وحبهم للعمل وحبهم لبعضهم وكرم نفوسهم. في مقدمة الدستور أن المجتمع يُبنى والدولة تُبنى على الأخوّة والتسامح والتكاتف والمحبة، فلا شك أن الإنسان إذا أراد أن يخل بهذه القيم والمبادئ يظهر ويبرز، وهو لا يمثلنا ولا يمثل بلده، وإنما يمثل طموحاً معيناً اعتقد به، فإذا نُصح من المجموعة فسيكون أفضل للمجموعة وله بأن ينضم إلى المسيرة المباركة التي يقودها أفراد المجتمع كله. أنا أوجه وأتمنى وأدير الشؤون، ولكن في الأول والأخير على الناس، ومن حُسْن حظنا وحظي أنا شخصيًا أن البحرين تملك رجالاً أثبتوا إخلاصاً وكفاءة ومقدرة وصبراً؛ ولذلك تحققت الإنجازات التي ذكرناها سابقًا. في الوقت الذي نرى فيه كل شعوب العالم تطمح إلى التطور والحرية والتقدم، هي الآن تريد أن تصل إلى بعض ما وصلتم إليهمن تقدم وتطور، وهذا تحقق بهداية من رب العالمين ثم بجهودكم، ولكن السير إلى الأمام بحكمة هو مسؤوليتي أنا؛ لأني لا أريد أن أرمي البحرين في الفضاء غير المعروف، أريد البحرين أن تكون دائمًا في كل خطوة إلى الأمام، وتأمن نفسها من اليمين واليسار والخلف، حتى تنطلق إلى الأمام، لا يمكن أن أقود البحرين دون التفكير فيما حولي، ومن هذا المنطلق بتشاورنا وتكاتفنا نسير بكل ثقة. ثقوا بالله بما اكتسبتم من قيم، أكسبوكم تلك القيم من هم قبلكم، آباؤكم وأجدادكم وأهلكم، إلى أن تميزت البحرين بالطيبة والأخلاق الحميدة، والكرم بما هو موجود؛ فلذلك اليوم ما أعتز وأفتخر به هو سمعة أهل البحرين في الخارج، ونتمنى أن تستمر هذه السمعة، وإذا وجد لا سمح الله من يسيء لهذه السمعة فيجب أن يُنصح من صديقه أو جاره. نحن نمتلك تراثاً معيناً ومستوى معيناً، ويجب أن نهتدي به، وبالفعل هذا هو صمام الأمان، محبة العالم لكم، نحن لا نمتلك قوة كبيرة ولا نمتلك خبرة ومعرفة تضاهي العالم، لكننا نمتلك ما هو أقوى من ذلك، وهو إيماننا بالله وإيماننا بقيمنا، وهذا من الواجب المحافظة عليه، وأنتم لم تقصروا بشيء، ونحن لا نتهم أي شخص، حتى في أثناء الأزمة المؤلمة التي مرت بنا، كل الكلام والتوجيه الذي سمعتموه منّا ومن سمو رئيس الوزراء وسمو ولي العهد دائمًا كان بأنكم تضعون الخير أمامكم وتريدونه للجميع، وهذا حالنا وقدرنا؛ لذلك نحن أصدرنا الأوامر الكثيرة بمتابعة الحكومة عن أمور كثيرة، منها ما قيل بأنهم فُصلوا، وكذلك البعثات الدراسية وموظفو الدولة، فالمعلومات في بعض الأحيان لا تكون دقيقة؛ فنحن الآن أردنا أن نتحرى الدقة في المعلومات؛ لأن الخبر يأتيك أحيانًا دون أساس، وينقله الآخر بإضافة، ويزيد عليه من يتلقاه بإضافة أخرى، وهكذا، وقد تكون هي مسألة بسيطة، تتطور بسبب هذه الزيادات، العبرة بالنتائج، ولا يشك أحد فيما سأقول، فأكبر فرح بالنسبة لنا هو سماع خبر توظيف بحريني، أو تخرج بحريني من جامعة، أو اختراع بحريني لشيء ما في الخير. ودولنا عمومًا في مجلس التعاون ما يميزها عن دول كثيرة في العالم أنها دول خير، تعطي ولا تأخذ، وتهتم على مدار الساعة بأوضاع الشعوب وإسكانها وخدماتها وأعمالها وأمنها، لا تتحدث عما تأخذه من ضرائب أو ما تأخذه من إتاوات أو من أرواح، بل بالعكس، دول الخليج عامة هي دول الخير، وبإمكانكم أن تسألوا أي إنسان حتى في الدول المتقدمة عما إذا كن يريد أن يعيش في البحرين فسيجيب بنعم، وإذا استطعت أن أكون مواطناً بحرينياً فسأكون أسعد إنسان، وفي الخليج عمومًا. نحن الآن أصبحنا ملجأً لكل من يريد أن يهرب من ضغوط الحياة عليه في الخارج، إذا أردت أن تهرب من بلدك إلى أين تذهب، هل تذهب إلى الأسوأ؟ يجب عليك أن تكون في مكانك وتثبت نفسك. نحن نعينكم على ذلك، وأنتم تعينوننا أيضًا، ونحن نسمع الرأي والنصيحة؛ ولذلك شكلنا مؤسستنا التشريعية، وعندما نقول إننا بلد المؤسسات والقانون أرجو أن تترجم بما معناه أن المؤسسات هي صاحبة القرار، ولكن على ضوء القانون، والقانون هو من أقره ممثلو الشعب، ونحن صدقنا عليه، ومنذ تشكيل المجلس الوطني إلى اليوم لم يُرد أي تشريع أراده ممثلو الشعب، أو اختُلف معهم في تطبيقه، بل على العكس نحن نقول هل من مزيد؟ أي تشريعات لصالح المواطن والبحرين تسير بكل سهولة، هذه المؤسسات عندما تعطى الحرية والمسؤولية والصلاحيات تكون الدولة قوية، ولا يكون القرار عند فرد، وإنما الفرد الذي في عملي اليوم هو واحد منكم، ولكن من بعد الله سبحانه وتعالى يكون تحت مظلة، بحيث إذا كان هناك مؤسسة من المؤسسات تجاوزت لأمر ما القانون فمن واجبنا أن نرجعها إلى المؤسسات، والمؤسسات تتحمل مسؤوليتها، فليس هناك قرار فردي، أحيانًا يطلب أن يمارس القرار الفردي، فإذا مارسنا القرار الفردي فنحن نرجع إلى الخلف، ونحن نؤمن بوصفنا مسلمين بقول الله سبحانه وتعالى {وأمرهم شورى بينهم}، ترجموا هذه الآية، ترجمتها هي بالفعل هذه المؤسسات؛ لأنك لا تستطيع أن تترك القرار في يد أشخاص لا يملكون الكفاءة، لا تستطيع أن تدع الخطابة الدينية لمن لا يملك المقدرة، لا تستطيع أن تدع البناء لمن لا يملك شهادة الهندسة، لا تستطيع أن تدع العلاج لمن لا يملك شهادة الطب، فالشورى تتم بين من يمتلك الكفاءة والقدرة على إبداء الرأي. الحمد لله يا أهل البحرين، واسمحوا لي على ما سأقول، ولكنّي أعتز بذلك، فنسبة الأمية لدينا هي صفر بالمائة، وأنا أستسمح منكم لأن هذا الشيء نعتبره إنجازاً فرعياً؛ فالبحرين معروفة منذ أزمنة بالتطور التعليمي والبناء وضبط الدولة، حتى علماء الدين وشيوخ القبائل قبلوا بالدولة المدنية الحديثة، ودخلوا بها، والدين حُفظ وقوي وأصبح الناس أكثر تمسكًا بالدين؛ لأنهم يمتلكون الحرية، ومن يملك الحرية في معتقداته ومذهبه يصبح قوة للبلد. فبناء الدولة المدنية في ظل هذه الظروف التي تعيشها امنطقة بشكل عام من أيام الجد عيسى بن علي بدأ ببناء الدولة المدنية، ومعه رجاله من أهل البحرين، وساعدوه على ذلك ومن بعده الجد حمد، وثم الجد سلمان، وثم الوالد رحمة الله عليهم جميعًا، والآن أتى دورنا لنبني معكم الدولة الحديثة المدنية دولة المؤسسات والقانون، لا دولة الرأي المنفرد والأوحد، حتى بلدنا لم تُحكم من قبل حزب واحد، لكن احترام الآخرين هو أمر إلهي أمرنا به الله سبحانه وتعالى، والرسول عليه الصلاة والسلام في بداية الرسالة، كان معه رجال من مختلف الثقافات والمعتقدات، وانصهروا في خدمة أوطانهم، نحن كذلك نفس الشيء، فنحن نختلف في المعتقدات والمذاهب والعوائل والقبائل، ولكن نجتمع في هذا البلد الكريم، وهذا من حظنا، يجب أن تتيقنوا أنه من حسن حظكم أنتم البحرينيين أن تكونوا في البحرين. لا يوجد إنسان لا يحب تراب هذا البلد، حتى من يأتي من الخارج بودّه أن يبقى، وإذا لم يستطع فيزور البلد من فترة لأخرى؛ لأنكم طيبون تستقبلونهم وتضيفونهم وتحترمونهم وتقدرونهم وتسألونهم عن أحوالهم. هذا ما أتمنى أن يبقى لدينا كقوة تكون بديلة عن قوى القوة والعنف والشر، فتكون قوتنا بالخير وبالطيبة وبالتسامح وبالتعايش، ترجموا هذه الكلمات؛ لا نريد أن نقولها ولا ننفذها، إذا كنا لا نستطيع أن ننفذها فلا نقولها، فنحن نتعايش في دولة المؤسسات والقانون بكل محبة ورضا، وأهم رضا هو رضا رب العالمين أن يكون راضياً عنا وعن أفعالنا وأقوالنا. لا أذكر في يوم، وأنا درست في مدارس شعبية كما تعلمون ولدي أصدقاء من عامة الشعب، وأعرف ما هي مشاعرهم، لم أشعر في يوم من الأيام إلا بالاعتزاز والافتخار بأني من هذا البلد ولهذا البلد وأن أخدم هذا البلد معكم، وأن نبقى متكاتفين، ومررنا بمراحل لا أريد أن أذكرها، ولكن كلنا نعرف مختلف الفترات التي مررنا بها، وكلها كانت من الخارج للتأثير على مجريات الأمور الطيبة الطبيعية في البلد، وتتجاوزها البحرين بتكاتف أهلها، كبيرة كانت أم صغيرة، وهذا بيتنا، حتى إخواننا إذا أرادوا أن يساهموا يدعون الباقي لك؛ لأنهم لا يستطيعون أن يحلوا جميع مشاكلك أنت، ولا يستطيعون أن يتدخلوا في شؤونك الخاصة، إلا بحد معين ومعروف. الآن إذا رأينا أموراً تتطلب المعالجة فهي بلا شك في طريق العلاج، لا يمكن أن نواجه مشكلة في البحرين ولا نبدأ بعلاجها، لا يمكن؛ لأننا إذا تركناها ستتراكم؛ لأننا سنواجه مشاكل أخرى في المستقبل.
ومضى يقول: إن هذا اليوم من أسعد الأيام، وهذا اليوم يرمز للوحدة والاتحاد الوطني في بلدنا، وهذه هي قوتنا، وأنا أشكركم وعاجز عن الشكر؛ لأن هذه المبادرة منكم أنتم، وأردتم رؤيتنا ونحن أردنا رؤيتكم كذلك، والحمد لله على تحقق هذا الشيء، وما جرى في هذا البلد هو خير لها بكل تأكيد، وتعلمنا الدروس المفيدة والعبر التي استخلصناها مما مررنا به، والإنسان المؤمن لا يكرر الخطأ، فلذلك نحن ماضون معكم إلى الأحسن. وإلى اليوم نرى البحرين دولة متقدمة على دول في العالم المتقدم، فالحمد لله والشكر لله، وإن شكرتم لأزيدنّكم.