فيما تموج أحياء وشوارع كثير من الدول العربية بمظاهر العنف، احتجاجاً من شعوبها على أنظمتها القمعية، وتعبيراً منها على أن الصمت لم يَعُدْ وارداً بعد اليوم، وبينما بدأت زعامات هذه الدول تتساقط فيما سُمِّي بالربيع العربي كما تتساقط الأوراق من أشجارها في فصل الخريف، في ظل المساحة الواسعة من التحوُّل النوعي في ثقافة ووعي الشعوب، وما صاحبه من استعداد للتضحيات في سبيل التخلص من هذه الأنظمة الفاسدة، يأتي عصر الربيع السعودي الذي يقوده عبدالله بن عبدالعزيز، مستلهماً تأصيله وامتداده وحضاريته من تاريخ والده العظيم الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود، فإذا بنا بين ربيعَيْن، تمثل الأنظمة الفاسدة الأول منهما؛ حيث القمع والقهر وحُكْم شعوبها بالحديد والنار، فيما يتسم مظاهر الحُكْم لدى الثاني بالعدل والمساواة واحترام الشعب والإصغاء لصوته وتحقيق ما يعزز مكانته وحقه في أن يعيش حياة حرة كريمة.
***
واليوم ونحن نستذكر قصة قيام المملكة العربية السعودية، بهيبتها ومهابتها ووحدتها وأولئك الرموز من رجالاتها الأبطال، إنما نتذكر ونقارن بين ما كنا فيه وما أصبحنا عليه، دون أن ننسى أو نتناسى الملاحم والأمجاد البطولية، بكل تفاصيلها وقِيَمها على الأرض وعلى وجه الإنسان؛ حيث التاريخ والرواد والأبطال والهمم العالية وسنوات الكفاح والبناء، وما آلت إليه المملكة في حاضرها المزدهر من قوة وتميُّز وتطوُّر لا يضاهى، بفضل الفعل وردة الفعل على الخطوات المحسوبة في العمل والإنجاز منذ عهد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن وحتى عهد الملك المجدد عبدالله بن عبدالعزيز.
***
ولعله من كرم الله على بلادنا أن تحتفل بعد غد بيومها الوطني الـ 81 جرياً على عادتها كل عام، وهي في هذا المستوى من التفوق في الاستقرار والأمن والتطوُّر، يصاحبه نهج إصلاحي يقوده عبدالله بن عبدالعزيز بما عُرف عنه من عزم وحزم في التعامل الرافض لأي مظهر - قد يتبين له - من مظاهر الفساد، وهذا الموقف يتناغم مع المبادئ الإصلاحية التي يؤمن بها، والنزاهة التي يريد أن تنسجم وتتناغم مع كل مشاهد التجديد والتغيير في خارطة العمل الإصلاحي على امتداد الوطن، بما يُطمئن المواطنين على أن مسيرة الإصلاح سوف تُفضي إلى مزيد من الإنعاش لكل مسارات التنمية في هذه الحقبة المهمة من تاريخ المملكة، ضمن التواصل مع كل جديد مفيد، والتأقلم مع كل المستجدات الحضارية التي كان الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود أول المحتفين والمتحمسين والمناصرين لها، ومن بعده جاء الملوك سعود وفيصل وخالد وفهد ليعطوها الشيء الكثير من الرعاية والاهتمام والمساندة بغية تحقيق آمال المواطنين؛ ليأتي الملك عبدالله بن عبدالعزيز من بعدهم فينجز على يديه كُلّ ما تراه العين من معالم وشواهد عن القفزات الحضارية التي تحققت في زمن قياسي وفي مرحلة تجديد بالغة الأهمية للوطن والمواطن.
***
وإذ تحتفل المملكة يوم الجمعة القادم بيومها الوطني فهي تفعل ذلك لتتذكر في هذه المناسبة التاريخية الخالدة مؤسسها العظيم وملوكها ورموزها من المواطنين الذين خَلُدَتْ أسماؤهم، بقدر ما كان لكل منهم من دور مؤثر سواء في تأسيس المملكة وتحقيق وحدتها، أو حين واصل هؤلاء الخدمة خلال مشوار البناء بمثل ما بشر به وخطط له وسعى من أجله الملك المؤسس، وهو ما تمت ترجمته على أرض الواقع خلال عصور أربعة ملوك حكموا البلاد بعد الملك عبدالعزيز؛ ليكون عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز فاتحة خير لتطور غير عادي للمملكة في التعليم والصحة والاقتصاد والقضاء والخدمات البلدية والإنسانية، وكل ما يمس حياة المواطن، ويستجيب لطموحاته، ويلبي رغباته ضمن تلاقٍ بالرؤى والأفكار بين الملك وشعبه.
***
إنه يوم عظيم، عن وطن عظيم، عن المؤسس البطل، عن الملوك الأربعة الذين أدوا الأمانة على خير ما تكون، عن عهد إصلاحي متميز يتناغم مع التطور الهائل الذي يقوده الملك عبدالله بن عبدالعزيز بمساعدة سمو ولي عهده الأمير سلطان بن عبدالعزيز وسمو النائب الثاني الأمير نايف بن عبدالعزيز، وعن مواطنين كبار وروَّاد أرخصوا أرواحهم ودماءهم فداء للوطن، فإذا بنا في ظل كل هذا نتفيأ ظلال عصر الربيع السعودي أمناً واستقراراً وتطوراً وتقدماً، فيما تمر بعض دولنا العربية بربيعها من الثورات إثر تململها من مظاهر الفساد والقمع والاستبداد التي طال أمدها، وكلها سلوكيات ومظاهر قمعية سادت أجواء هذه الدول؛ لتدفع بشعوبها إلى التحرك لإسقاط هذه الأنظمة والاقتصاص من قادتها.