تبعاً للمقولة «المصرية» الشهيرة التي تصف «كل شخص» يتمتع بثقافة عالية وقدرة كبيرة على «رؤية الأمور» بمنظار غير تقليدي بأنه نتاج «تعليم بلاد برا»، أحسست «بالفخر والاعتزاز» وأنا أتحاور مع بعض الأصدقاء الإعلاميين «الخليجيين» حول «حجم الابتعاث» الكبير في السعودية، وكيف أن «بلادي» اليوم هي صاحبة الرقم الأكبر «في المنطقة» من حيث «عدد المبتعثين» للخارج وفي مختلف التخصصات.
وهي في انتظار عودة «عشرات الآلاف» من الحاصلين على آخر العلوم والمعارف، والمتأثرين «بالإبداع والإتقان» في تلك التخصصات التي تحتاج إليها «العملية التنموية السعودية»، إضافة إلى احترام قيمة العمل والوقت عبر «التأثر الإيجابي» واكتساب «القيمة الثقافية» في بلد الابتعاث.
طبعاً «الخابرين» والعارفين بتكاليف ابتعاث «طالب واحد» للدراسة «خارج بلده» يقدرون جيداً حجم الاستثمار السعودي في هذا المجال ؟! وعندما تتبنى «الدولة» ابتعاث عدد كبير من «أبنائها» للخارج، فهذا يعد استثماراً طويل الأمد في «العقول»، وهو رابح لاشك لأن صرف المال مقابل صناعة وإعداد جيل، مكسباً «قومياً وإستراتيجياً» للمرحلة أو المراحل المقبلة في حياة «أي أمة».
وسنلمس «بعون الله» مع عودة الكثير منهم، «فوائد تعليمهم» بطرق تختلف عن تلك الطرق التي تعودنا عليها في مجتمعاتنا، والتي تعتمد على «التلقين والحفظ» في مدارسنا وجامعاتنا، و أثر «اختلاطهم» بثقافات أخرى جديدة، وانعكاس ذلك على مستوى وجودة إنتاجهم.
وهو ما يدعو حقيقة إلى وجوب «تمييزهم» عن غيرهم واستيعابهم في كل المؤسسات الحكومية والخاصة للاستفادة من تجربتهم، وما تعلموه في أرقى الجامعات والمعاقل العلمية العالمية.. لأنهم مختلفون في الحقيقة عن «مخرجاتتنا» التعليمية التقليدية، رغم تخوف البعض من تأثرهم «السلبي» ببعض ما في البلاد الأخرى، وهو أمر مقدر «خصوصا بعدما سمعنا عن مداخلات وتخوفات بعض أعضاء مجلس الشورى مؤخراً».
وفي المقابل فقد أحسنت وزارة التربية والتعليم برأيي وكانت «شجاعة» عندما أقرت «بمبالغة» مؤلف مقرر «الحديث» في المرحلة الثانوية في توصيف خطر «الابتعاث» ووعدت بمراجعته.
واعتقد أن هذا هو الواجب على كل مؤسساتنا، لضرورة مراجعة و«تصويب» ما تقدمه من خدمات، وما تفرضه من أنظمة وتعليمات، فمن يضع النظام ومن يفرضه ويطبقه هم «بشر مثلنا» وعملهم في نهاية المطاف قابلا للصواب وللخطأ، وكذلك من يؤلف الكتـب ويفـرض المقررات الدراسية على «أبنائنا» وتعديل الخطأ أو إيقافه واجب متى ما تأكد ذلك، وحتى نكون عادلين ومنصفين ينطبق هذا على ما يجلبه بعض «المبتعثين» أيضاً.
فلك أن تتخيل و«الابتعاث» اليوم أصبح أحد الأحلام والمسارات المستقبلية و«الكبيرة» التي يخطط الطلاب والطالبات على الالتحاق بركبه منذ «المرحلة الثانوية»، يتم «تخويفهم» من خطره ضمن مناهج يفترض فيها دعوتهم للنهل من العلم والبحث عنه في كل مكان، كما جاء في «المقرر المذكور».
إنه «وصف وقراءة» من زاوية واحدة وبروية ثابتة، وقد يتأثر البعض ممن سيكون في «ابتعاثهم» خير كبير به سلب، بل وسيساهم ذلك بشكل أو بآخر في أن تحجم «بعض الأسر» عن السماح لأبنائها بالمنافسة للحصول على فرصة مقعد في بعثة قد تغير مسار وحياة طالب أو طالبة.
الابتعاث اليوم هو إحدى «السمات الحضارية» التي نراهن عليها ونفتخر بها، وقد أشبع مؤخراً بالانتقادات غير المبررة، وتعرض طلابنا في الخارج للكثير من التهم من شرب الخمور، إلى خطر التنصير، إلى خطورة بقائهم قي مجتمعات منحرفة عقائدياً..الخ.
ألا يكفي «تشويشاً» على ذهن «المبتعثين والمبتعثات» في الخارج و»أهاليهم»؟!.
أليس من حقهم أن نتركهم قليلاً «يرزكون» ويهتمون بتحصيلهم العلمي، وهو الأهم،ولأجله غادرونا؟!
نحن «نؤمن» بالتأكيد بضرورة «التحصين» وليس «التشويش» فلندعهم يخوضون «التجربة بنجاح» بعيداً عن الأحكام المسبقة.
وعلى دروب الخير نلتقي.
fahd.jleid@mbc.net