تهتم شعوب الأرض بالأيام التي حصل فيها حدث مهم في مسيرتها، وغيّرت مجرى الأحداث فيها، ويختلف هذا الاهتمام بحسب نظرة كل شعب وعقيدته، وما ينعكس على الشعوب في معتقداتهم وأهمية ذلك الحدث عندهم.
لأن كل أمة لها ما يميزها في التعبير عن أي أمر مهم، لكن أصدق ذلك ما لا يتصادم مع عقيدة المسلم. والعرب في جاهليتهم، ثم بعدما منَّ الله بالإسلام، مرّت بهم أيام كثيرة رصدتْ الأحداث المهمة التي اهتم بها الباحثون وما فيها من انتصارات قبيلة على أخرى، وما جرى فيها من فخار وشِعرٍ، وبطولات للمنتصر وأثر ذلك، وافتخار على المغلوب، ويؤرخون بتلك، وقد استشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم صحابته من بعده بشيء من ذلك كيوم خزازى، ويوم الفجار وغيرها. وما أسواق العرب، التي حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم تجمعاتهم في واحد منها، وأشهرها وهو سوق عكاظ الذي يقام قرب الطائف، حيث نشر دعوته بين المجتمعين، إلا نموذجاً للدور الذي تؤدّيه الأسواق من دور مثلما ترصده الأقلام في الأمم والشعوب، من أحداث مهمة والتي ليس فيها مدخل على الدين، كما في خطبة قسّ بن ساعدة الإيادى، التي أثنى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، عندما سمعها في سوق عكاظ.
وقد عرض رسول الله دعوته على القبائل، لدين الله الحق في ذلك السوق الذي يقام في أيام محدودة ومعينة. كما كان العرب في جاهليتهم، ثم بعد الإسلام، يعتبرون الحج بأيامه، وتكاثر الناس فيه، وخاصة يوم عرفة، من الأيام المهمة في حياتهم: تعارفاً وبيعاً وشراء، وبُعداً عن الشحناء والاقتتال، وقد منّ الله سبحانه على رسوله بلقاءات متعددة مع رجال من الأوس والخزرج رضي الله عنهم، الذين قبلوا دعوته، ووعدوه على النّصر، وطلبوا منه الهجرة إليهم، كما جاء ذلك فيما رصده ابن هشام في سيرته، وابن كثير في تاريخه وغيرهما. إذ كانت أيام اللقاءات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مشهورة في تاريخ الإسلام.
وفي القرآن الكريم، جاءت إشارات باللفظ والدلالة على أيام مهمة في الإسلام، كيوم 19 رمضان الذي فيه وقعة بدر الكبرى، التي نصر الله بها دينه، وأعز فيها رسوله، وانهزمت فيه جيوش الشرك، وهلك فيه جبابرة المشركين، ويعد ذلك اليوم الذي فتح سبحانه على رسوله مكة: {إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} الآيات، ثم كان يوم حنين الذي قال الله فيه: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ} (25) سورة التوبة، فقد ارتفعت في هذه الأيام راية الإسلام، وتنسب كل موقعة إلى يومها مثلما حصل في يوم حنين ويوم الفرقان، ويوم الأحزاب، وغيرها من الأيام المشهورة عند العرب وفي الإسلام. فهذه الأيام وغيرها التي سجلت تاريخياً تعتبر شواهد يرددها المسلمون وسجلوها بالرصد والدراسة والشواهد، ولم يعترض عليها أحد من العلماء. كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: حدد لأمة الإسلام عيدين هما: عيد الفطر وعيد الأضحى، وهذان العيدان قد حُرِّم فيهما الصيام، وإنما هما أيام أكل وشرب، وذكر الله سبحانه، وشكره على نعمه الكثيرة.
ولما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم للمدينة المنورة، رأى اليهود يصومون يوم عاشوراء، ويتخذونه عيداً، ويقولون: هذا يوم نجى الله فيه موسى وقومه، وأهلك فرعون وقومه، ونصومه شكراً لله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نحن أحق بموسى منكم) فصامه ورغّب فيه، وأمر بصوم يوم قبله أو يوم بعده لمخالفة اليهود.
ولما أنزل الله هذه الآية: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} (3) سورة المائدة.
قال بعض اليهود، لو أنزلت علينا معشر اليهود لا تخذنا ذلك اليوم عيداً، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «إنني أعلم متى نزلت، وهو عندنا عيد لقد نزلت في عيد الأضحى بمكة والناس بعرفات».
ولما كانت أيام الجزيرة العربية - ونجد خاصة -، من بعد العصر العباسي الأول تمثل العزلة والتفرق، والخوف والقتال، وبتسلط القوي على الضعيف، وأمنها مختلّ لغلبة الأقوياء على الضعفاء: قتلاً ونهباً والفوضى ضاربة بأطنابها، يمثل ذلك قول الشاعر:
وأحيانا على بكر أخينا
إذا ما لم نجد إلا أخانا
فقد هيأ الله: امتداداً لما قام به الإمامان: محمد بن سعود ومحمد بن عبدالوهاب، رحمهما الله في عام 1157هـ في مسيرتهما لنصرة دين الله الحق، وعلى منهج القرون الثلاثة المفضلة، التي اعتبرها رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير القرون بعده. وهيأ الله رجلاً شهماً شجاعاً وموفقاً منذ عام 1319هـ، وهو الملك عبدالعزيز رحمه الله، الذي بدأ مسيرته على بركة الله، في جمع الشتات المتفرق، وتوحيد الصفوف، والقضاء على النزعات القبلية، ونخوة الجاهلية، بقيادته، وتحت رايته التي حملت الشهادتين: لا إله إلا الله محمد رسول الله شعاراً دينياً لا يحيد عنه، ومنهجاً مخلصاً فيه، لإقامة دولة ترعى شرع الله، وتقيم العدل وفق كتاب الله وسنة رسوله، ولرعاية المقدسات فجدّ واجتهد في مسيرته، يطوي ليله بنهاره، متمثلاً قول الشاعر فيما رسم من هدف بعيد:
لا تستسهلنّ الصعب أو أدرك المُنى
فما انقادت الآمال إلا لصابر
ومضى متوكلاً على الله، مع رفاق دربه، أولئك الرجال الأشاوس: هم بالشجاعة، تحت قيادته، وهو مع بسالته وسداد رأيه، يديرهم بالحكمة وبالصبر والعزم، لا يتردد، ولا يفتّ في عضده معضلة، مدّة ثلاثين عاماً. ومع مطلع الخمسينيات، ترجّل الفارس عن صهوة حصانه، لتنظيم الدولة الواسعة الأرجاء، فقد كان عام 1352هـ، بعدما التفّ الشعب خلف قائدهم لأنه جاء عهد التفرّغ للتنظيم الإداري، وترسية دعائم الملك وتنظيم الدواوين والمنشآت، وإصدار الأنظمة: كنظام ولاية العهد التي أسندها لابنه الأكبر سعود -رحمه الله-، وجعل فيصلاً رحمه الله في النيابة في الحجاز، وأسس مجلس الشورى.
ثم توالت التنظيمات الإدارية، والأمنية، والعسكرية، وغيرها مما تدار به الدولة، لتساير الدول العالمية، وشارك في تأسيس جامعة الدول العربية، ومجلس الأمن العالمي وغيرها من المحافل الدولية والمعاهدات العربية، وسعى بالحثيث في المضمار العلمي وفتح المدارس والمعاهد للشعب. وفي هذه المسيرة، كما قال خير الدين الزركلي، في كتابه: عن تاريخ الملك عبدالعزيز -رحمه الله: بأنه قد اجتمع لفيف من المواطنين، في الطائف، وتشاورا، في أمر يتعلق باسم المملكة، وقابلوا الملك وعرضوه عليه -رحمه الله-، وهم ممثلون لفئات الشعب كله، باقتراح اسم الدولة من اسم: ملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها، إلى اسم شامل يعبّر عن المواطنين والبلاد، ومن له جهد في ترسية هذا الكيان بجُهْده ومحبة أطياف الشعب كلها له، ومكانته من هذا الكيان، الذي حققه الله سبحانه، على يدي المؤسس الموحد، وإخلاصه ونظرته البعيدة. وهذا المسمى: هو (المملكة العربية السعودية) ورجوه الموافقة عليه. وليس ببدعة أن يسمى هذا اليوم باليوم الوطني، لأنه اسم على مسمى، وحقق الآمال الشعبية بالتضامن والمحبة كان ذلك في عام 1352هـ حيث يصادف هذا العام الجمعة 25 شوال عام 1432هـ الموافق 23 سبتمبر عام 2011م، والموافق لليوم الأول من الميزان لعام 1390هـ شمسية 31 سهيل. وهذا النجم - أعني سهيلاً - تتحول فيه مناطق نجد، إلى الانتقال للجو اللطيف وبداية البرودة، حيث بداية الخريف، ويعتز به كل مواطن، لأنه يمثل الآمال التي تحققت.وقد اعتبر هذا اليوم، يوماً وطنياً يعني الوحدة والتصافي وتآلف القلوب، مع تعاطف المواطنين خلف قيادتهم، وبالثناء والشكر لله سبحانه الذي تحققت لأبناء الجزيرة فيه هذه الوحدة والمحبة فيما بينهم، ثم فيما بينهم وبين قياداتهم فأبدل الله فرقتهم جمعاً، ونُفْرتهم تآلفاً ومحبة، وخوفهم وفرقتهم أمناً وأماناً.. فيذكر ليشكر الله على ما تحقق حيث كلما مرت هذه المناسبة، ازداد الترابط والتلاحم، وتذكراً ليوم الوحدة التي ربطت أبناء الجزيرة بالرسالة المحمدية في عصر الإسلام الأول، في القرون الثلاثة المفضلة، التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير القرون بعدي قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم»، وتمكنت المحبة بنسيان الولاءات إلا لله سبحانه، والعصبية إلا لدينه، وقد أمرنا ديننا الحنيف، بشكر هذه النعم، وشكر الله عليها، بقوله الكريم: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}(الضحى آية: 11) ويقول سبحانه: {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} (إبراهيم آية: 7) وبالشكر تدوم النعم. فقد تغيرت الأنفس، قبل ملامح البلاد وفَرِحَتْ بهذه المناسبة القلوب قبل وضع الأنظمة، واهتمت به الأفئدة قبل التنظيم الأمني فكان الوازع الإيماني الذي اهتم به عبدالعزيز وزرعه في القلوب، والالتفاف خلف القيادة، قد برز أثره في الأحداث الأخيرة، التي مرت ببعض الدول: إخلاصاً وألفة مما بهر المتابعين للأحداث.. جعلها الله نبراساً يستظل به الناشئة، خلف القيادة المتوالية، والتي يمثلها قول الشاعر:
إذا «غاب» منا سيد قام سيّد
قؤول لما قال الكرام فعول
وما ذلك إلا أننا معاشر المسلمين، نهتم بالأيام ذات الأثر، في حياتنا ونكرر ما فيها من محاسن، لكن لا نتخذها عيداً، ولا نتعلق بغير شرع الله الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من عند ربه.