الأطفال أكثر المحتفين بيوم الوطن..
فالفرح الجميل البريء المنبعث في النفس البيضاء لا يفسر بغير ضحكة.. وقفزة.. ودهشة.. وفرحة بيوم لا يستيقظون فيه باكراً، ولا يحملون فيه كتباً، ولا ينتظرون فيه أداء واجب مدرسي..
لماذا يتهلل الصغار من الانعتاق من المدرسة..؟
لماذا لا تستبدل خبراتهم عن يوم الاحتفاء بالوطن بأنه ليس الإجازة عن المدرسة..؟
لأن هذا الوطن يستحق أن يكون خبرات واضحة، تنتمي لمسؤوليات قيمية، عملية، سلوكية، معرفية.. ووجدانية، تُنشأ مع أول قطرة حليب تُصب في أفواه الرضع من أثداء المرضعات.. وفي أول محضن تربى فيه أخلاقهم، وتوجه فيه مسالكهم، وتنمو فيه خبراتهم..
الوطن ليس التراب الذي يمشي عليه المرء.. وليس ملعب الكرة، ولا مضمار السباق، إلا حين تكون شجرةٌ في شارع هي مسؤولية من يسير عليه، فلا يفتك في سرعته بجذورها ولا أغصانها ولا أوراقها وإن لم تكن تثمر، بل تخضر بها العيون..
وإلا حين يكون المضمار للترويح والتأهيل النفسي، والحث على مراتب التمثيل لأفضل الأخلاق..
الوطن ليس المال في الأيدي, بل الثراء في النفوس, حين يتحول القرش في يد المرء لداعم في بناء الآخر..
الوطن ليس بلاد الحرمين اسما، بل موئل الإسلام نهجاً وسلوكاً وأخلاقاً، وإيماناً ينعكس في كل شاردة من مسلك المرء وفي كل موقف له، لا يحذو خارجاً عنه لا في قول ولا في فعل..
الوطن رسالة، ليست مجرد هوية في ورق ولا صفة في جواز..
الوطن أمة تعمل بيد واحدة، على قلب واحد، ما يُقض مضجعٌ إلا تتداعى له كل الأبواب مشرعة للتكاتف والتكافل..
الوطن حب لا يهدأ في القلب، حفظاً لمقدراته، وأمناً لأركانه، وعملاً على بناء العقول والنفوس والأجساد، بناء من يثق أن الصغير حين يكبر فإنه حجر في بناء الوطن..
فليفرح الأطفال حين تكون ثقافتهم عن الوطن أنه البيت الكبير كما زاوية دافئة في البيت الصغير يركن إليها المرء بخفقة سر، فينبض في الوطن بخفقات جهر..
يداً تعمل وقلباً يبذل وعيناً تسهر وحمية في النفس كي لا يمسه بشيء من شائبة, لا في السر ولا في الجهر..
فلنجعل فرحة أبنائنا بالوطن أن تعقد في نفوسهم العهود بالصدق في حب الوطن..
حبا يجعله مسؤولية تشد العزائم من أجلها عطاء، ووفاء, وأمناً, وتعليماً, وابتكاراً, وسلوكاً نقياً، وخلقاً قويماً، وإسلاماً صادقاً.. ووعياً شاملاً..
فهل تحبون جميعكم الوطن..؟
إذن فنشِّؤوا أبناءكم على ثقافة حب الوطن.. الحب الصحيح..