في اليوم الوطني حري بنا أن نستحضر الملامح المضيئة لمسيرة الوطن والسيرة العطرة للبطل الرمز موحد وباني هذا الكيان الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه-، ففي حاضرنا نجد أنفسنا بحاجة ملحة إلى تأمل معاني ودلالات اللحظة الأهم وهي مرحلة التأسيس، ودائماً ما يرتبط التأسيس باللحظة الأكثر دقة في التاريخ التي انطلق منها الوطن ليسطر صفحاته المضيئة عن بطولات وإنجازات هي الأهم في التاريخ المعاصر عن توحيد وبناء المملكة العربية السعودية وانطلاقها نحو التطور وفق تنمية طموحة رغم ضعف الإمكانات في ذلك الوقت لكن أهدافها انطلقت عظيمة ولذلك جاءت قواعد البناء راسخة.
وهكذا الأمم تتذكر بالوفاء أبطالها وبطولاتهم وإنجازاتهم التاريخية ويروي المؤرخون ويسجل التاريخ صفاتهم وأقوالهم ونهجهم وسياستهم، وهكذا فعل التاريخ بكل صدق مع الملك عبدالعزيز لأنه صدق ما عاهد الله ثم شعبه عليه في توحيد وبناء هذا الكيان الكبير. ففي اليوم الوطني نستحضر سيرة بطل فذ ومسيرة وطن امتلك منذ بدايته مقومات العزة والشموخ، حيث تحل علينا الذكرى 81 لليوم الوطني غالية على قلوبنا نطل من خلالها على جوانب شهادة التاريخ التي تدعونا للتأمل.
فما أحوجنا إلى قراءة متعمقة لتاريخ الوطن المجيد في هذه المرحلة الهامة الحاضرة من مسيرته المظفرة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- حاضر يشهد قفزات حضارية غير مسبوقة تختزل الزمن، ويحتاج اليوم إلى عقول وسواعد أبنائه وإلى تعضيد أواصر راسخة البنيان نبيلة الأهداف، وطن يقوده عبدالله بن عبدالعزيز إلى آفاق المجد والتطور الشامل والبذل السخي للتنمية ورخاء المواطن وكرامته الإنسانية، إنما هو وطن يستحق منا جميعاً كل الإخلاص والبذل علماً وعملاً يداً واحدة وجسداً وطنياً متلاحماً.
81 عاماً وإن كانت قليلة في عمر الزمن، إلا أنها بمعايير الإنجاز والتنمية والتطور تعد نموذجاً يحتذى به في التنمية والاستقرار والرخاء في عصر تدلهم فيه الأزمات في العالم وتعصف باستقرار الكثير منها، فالحمد لله على نعمائه على وطننا بقيادته الرشيدة ونهجه القويم وسياسته الحكيمة ومكانته الكبيرة بين الأمم.
إن الإرادة القوية والعزيمة الصادقة في دفع مسيرة البناء والتقدم هي سمة متميزة وبارزة لقادة المملكة العربية السعودية منذ عهد مؤسسها الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- وحتى عهده خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- حيث تمثل مسيرة المملكة مراحل ثرية بالإنجازات التي تجسدت من ترسيخ أسس التطور في البلاد وبناء قاعدة اقتصادية وطنية صلبة وضعتها في مصاف القوى الاقتصادية القوية، إضافة إلى تمكين الإنسان السعودي من اللحاق بركب التطور في العالم بفضل ما تحقق في المملكة من نهضة شاملة وبالذات في الجانب العلمي والتعليمي.
لقد ساهمت عوامل عدة في نجاح الملك عبدالعزيز في تحقيق هذا الهدف الإستراتيجي، يأتي على رأسها -بعد توفيق الله- شخصيته الفذة وما اتسم به من ملامح الشجاعة والقيادة والعبقرية في تأليف القلوب، وقدرته الفائقة على تحويل الخصوم إلى أصدقاء، وهو ما وضع الأساس السليم للوحدة الوطنية السعودية التي تعد الأبرز في عصرنا الحديث وركيزة أساسية لأي فكر أو عمل يتعلق بالوحدة أو التضامن على نطاق أوسع، وأهم من ذلك كله ما كان يتمتع به الملك عبدالعزيز من إيمان عميق وخلق إسلامي في القول والعمل وفي المنهج والتطبيق سواء على صعيد السياسة الداخلية أو الخارجية.
لقد شهد كبار الساسة في العالم والمؤرخون ومن عاصروا عن قرب الملك المؤسس رحمه الله، بأن واحداً من أبرز الرجال الذين عاشوا خلال القرن المنصرم، بل ذهب البعض إلى أنه واحد من أبرز الشخصيات التاريخية المعروفة على مدار التاريخ المعاصر، وتحليه بالصدق والوفاء والالتزام بالعهد، وعدم تحميله الأمور أكثر مما تتحمل، وصبره على الأهوال ووسائله للخروج منها، وكونه شخص بناء في عمله عظيماً وحكيماً تصرفه.
لقد كان الهدف الأسمى للملك عبدالعزيز خلال جهاده الطويل هو إقامة شريعة الله من منابعها الصافية كما وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وتراث السلف الصالح، وحرص على الشورى كمبدأ إسلامي، ولقد حقق الملك عبدالعزيز هذا الهدف وجعله أساساً قامت عليه دولته الفتية منذ أيامنا الأولى وإلى يومنا هذا، ونستدل في ذلك بكلمته في الجلسة الافتتاحية لمجلس الشورى عام 1349هـ: «إنكم تعلمون أن أساس أحكامنا ونظمنا هو الشرع الإسلامي، وأنتم في هذه الدائرة أحرار في سن كل نظام وإقرار العمل الذي ترونه موافقاً لصالح البلاد على شرط ألا يكون مخالفاً للشريعة الإسلامية».
خطوات عظيمة أثمرت الخير لهذا الوطن الكبير ونعم عظيمة تحققت ولله الحمد في مقدمتها الأمن الوطني الشامل للوطن وعنوانه أمن الحج وسلامة ضيوف الرحمن وهكذا عرفت المملكة العربية السعودية حالة مثالية من الأمن منذ تأسيسها، وظل هذا الأمن وسيظل بإذن الله صفة مميزة لها. كذلك الاعتزاز بشرف خدمة الحرمين الشريفين وخدمة قاصديها من الحجاج والمعتمرين والزوار وها هو الحاضر يشهد على إخلاص المملكة قيادة وشعباً في ترجمة هذا الشرف بمشاريع غير مسبوقة في مكة المكرمة والمدينة المنورة والمشاعر المقدسة وتميز لا مثيل له في الخدمات لراحة ضيوف الرحمن.
إن مسيرة المملكة حافلة بالعطاء ثرية بالإنجازات التي تجسدت من ترسيخ أسس التطور الشامل في أرجاء الوطن وبناء قاعدة اقتصادية وطنية صلبة وضعتها في مصاف القوى الاقتصادية المنتجة والمصدرة، إضافة إلى تمكين الإنسان السعودي من اللحاق بركب التطور في العالم، جنباً إلى جنب مع تعاظم دور المملكة في المجموعة الدولية، ويحظى قادتنا الميامين منذ عهد الملك المؤسس عبدالعزيز طيب الله ثراه، وحتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- باحترام وتقدير شعوب العالم.
واليوم وكما سبق وذكرت في البداية لا بد وأن نتأمل بعمق مسيرة 81 عاماً من العزة والكرامة والاستقرار والأمن والتلاحم، لنحصن وطننا ووحدتنا جسداً واحداً بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين والنائب الثاني -حفظهم الله وسدد على طريق الحق والخير خطاهم- وها نحن نشهد دولاً شقيقة تفجرت فيها ثورات على أوضاعها من ظلم وفساد عظيم، ونرى أرواحاً تزهق ودماء تسيل بين أبناء الوطن الواحد، ويبحثون اليوم عن الأمن وعن الحوار وعن ملامح مستقبل ينفصل عن ماضيهم، ونحن ولله الحمد في نعمة وتصالح وعناق بين ماضينا بأمجاده وحاضرنا الزاهر بالإنجاز والكرامة. ومستقبلاً طموحاً يبشر بالخير لأجيالنا بإذن الله. كل عام ووطننا أكثر رخاء وعزة وأنموذجاً في وحدته وأمنه وأمانه بقيادته الحكيمة.